الاثنين، 12 ديسمبر 2022

مأسسة الفوضى

 عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصودة أم أنها نتيجة طبيعية لترهل المؤسسة وتقادم أساليبها؟


إن مأسسة الفوضي فى العمل المؤسسي، تطلب عدة أمور ،منها على سبيل المثال لا الحصر:

١- غياب القيادات الحقيقية التى لديها فكر ورؤية استراتيجية والتى تستطيع تكوين إرث قيادي يكون عنصر إلهام للمؤسسة ومنتسبيها والعاملين فيها.

٢-إهمال النظام السابق المعمول فيه بالمؤسسة مع عدم توفير  نظام بديل قابل للتطبيق وممكن أن يحل محل النظام السابق.

  

      إن مصطلح الفوضي يعنى انتفاء السلطة ومؤسساتها وغيابها، ولقد تطرق الفيلسوف الفرنسي  "برودون" لمفهوم تأسيس الفوضى لمواجهة تعقيدات العصر، في مؤلفه الشهير "ما هي الملكية؟" (1960): فقد فسّر  الفوضي بأنها الهمجية والتسيّب واللانظام أو اللاقانون وترك الأمور تجري كيف  شاءت  تقودها الأهواء والنزوات والغرائز.


   إن من تبعات مأسسة الفوضى هو تغيير القناعات والقيم والممارسات التى كانت تدار بها المؤسسة ، فعندما تتفشى الفوضي يسهل فرض الأفكار والتصورات والاستراتيجيات، وحينئذ تظن  الغالبية أن النجاة ستكون بتبنى تلك التصورات والأفكار.


    وإن من أثار تعمق الفوضي فى المؤسسة هو صعوبة الخروج منها  حتى تصل المؤسسة إلى ما يسمى بالفوضى المنظمة ، أي أن ظاهر الأمور فوضي ومختلط ولكنه يسير وفق نسق ومعادلات محددة ،ولكنها غير معروفة لدي الكثير، وعند الوصول لهذه المرحلة يظن البعض أن المؤسسة قد اختطفت وقد تكون فعلاً مختطفة بقصد أو غير قصد، وإن أبرز علامات تفشي الفوضى فى المؤسسة -كذلك- هو تنحى الكفاءات عنها ، وعدم قدرتها على استقطابهم.


ختاما


بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أعْرَابِيٌّ فَقالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ ما قالَ فَكَرِهَ ما قالَ. وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حتَّى إذَا قَضَى حَدِيثَهُ قالَ: أيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ قالَ: هَا أنَا يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قالَ: كيفَ إضَاعَتُهَا؟ قالَ: إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ.


رواه البخاري 


إن إسناد الأمانات والمسئوليات إلى غير أهلها الأقوياء المؤهلين والمشهود لهم بالأمانة والوفاء هو البوابة الأولى لمأسسة الفوضي، ولننظر إلي من حولنا سنجد ذلك واضحاً جلياً.



انتهى 


كتبه

د.عمر سالم المطوع 


#وعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...