الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

الهروب بدرجة الامتياز

الهروب في اللغة يعني الفرار، وعادة ما يلجأ اليه الانسان عندما يخاف شيئاً ما، أما الهروب في عالم المال والأعمال فهو كذلك نوع من الفرار وعادة ما يلجأ اليه العاملون وبالأخص الطبقة القيادية عندما يشعرون بعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية، أو خوفاً من استنزاف قدراتهم المادية والمعنوية أو تحرزاً احتياطياً حتى لا يتم الكشف عن أخطائهم أو محاسبتهم عليها.
 
وفي سنوات الأزمة المالية وخصوصا السنتين الأخيرتين طالعتنا الصحف والقنوات الاعلامية بخبر هروب العديد من رؤساء مجالس الادارات والرؤساء التنفيذيين وخاصة في قطاع البنوك وقطاع الاستثمار وبعض القطاعات الأخرى، وحين تقرأ صياغة خبر الهروب وتتذكر تاريخ المؤسسة التي كان على رأسها هذه الشخصية لا يمكن أن تقول الا أنه هروب بدرجة الامتياز، فمثلا تجد أحدهم يبرر استقالته من منصبه لكي يتفرغ لادارة استثماراته الخاصة والاخر يبرر ذلك بعدم انسجامه مع الملاك الجدد وفي حقيقة الأمر ان الملاك قد كشفوا تلاعباته وسوء ادارته.
 
لذا فان المتأمل لطبيعة ذلك الهروب يجد ان الوضع المالي للشركة التي كان يرأسها ذلك الهارب في حالة تدهور تقود الى الانهيار، والوضع المالي للشخص الهارب (المستقيل) في نمو وازدهار بل في ثراء فاحش مقارنة لما كان عليه قبل تولي زمام تلك المسؤولية في تلك الشركة.
 
ان نماذج الهاربين بدرجة الامتياز قد حصلوا على تلك الدرجة لقدرتهم على التلاعب بأموال المساهمين بطرق قد تكون قانونية ولكنها بعيدة عن الأخلاق المهنية والأمانة حتى اذا ما شعر الهاربون ان القارب الذي يقودونه قد أوشك على الغرق تخلوا عنه وبرروا هروبهم بحجج واهية تبين عمق الخلل الذي ارتكبوه.
 
ان الهروب بدرجة الامتياز أصبح ثقافة في القطاع الخاص بل حتى في القطاع العام. فالكثير من القيادات غير حريصة على بناء مؤسسات مستقرة تواكب التطورات الحديثة في الادارة وتحافظ وتنمي الممتلكات، ولكن جل حرصهم الهروب بدرجة الامتياز من تلك المؤسسات بأرصدة شخصية متضخمة في البنوك تزيد من حسابهم الشديد في يوم الوعيد.
 
أخيراً: قال سيدنا عمر بن الخطاب «لا يُعْجِبَنَّكُمْ مِنَ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ، وَلَكِنْ مَنْ أَدَّى الأَمَانَةَ، وَكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَهُوَ الرَّجُلُ». ويقول سيدنا علي بن أبي طالب «أداء الأمانة مفتاح الرزق».

عمر سالم المطوع
متخصص في الادارة والموارد البشرية

الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

الحكمة في الحوكمة

 

                  
الحكمة لها معان جميلة في تراثنا الاسلامي والعربي، فمن المعاني اللغوية، يقال الحَكَمَةُ أي ما أحاط بحنكي الفرس، سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد وتذلل الدابة لراكبها، وللامام ابن القيم رحمه الله تعريف لطيف للحكمة وهو فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي.
 
لذا فان قانون حوكمة الشركات الذي صدر أخيراً من هيئة أسواق المال مما تقتضيه الحكمة، وذلك للحاجة الملحة له في ظل العولمة والانفتاح الاقتصادي والأزمات المالية التي نتجت بسبب الممارسات الادارية السيئة التي ألحقت ضرراً بالغاً بالمساهمين والمستثمرين والدائنين وغيرهم.
 
ان قانون حوكمة الشركات يحتوي على احدى عشرة قاعدة وذلك بهدف تنظيم منهجية اتخاذ القرار داخل الشركة وتحفيز وجود الشفافية والمصداقية لتلك القرارات، وبذلك تحمي المساهمين وأصحاب المصالح وتمكنهم من الرقابة بشكل فعال، ولقد حضرت في الأشهر الفائتة عدة ورش تدريبية حول تنفيذ قانون حوكمة الشركات. ولقد دارت نقاشات بين الحضور كانت خلاصتها أن بيئات عمل الشركات غير مهيأة لتطبيق القانون، وان الحكمة تقتضي التدرج في التطبيق لتحقيق الغاية المقصودة من القانون مع ضرورة وجود جهة محددة داخل الهيئة تعتني بالرد المهني على كافة الاستفسارات حول قانون وأسلوب التطبيق.
 
ان تطبيق قانون الحوكمة سيشعر أعضاء مجلس ادارة الشركة بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقهم وبذلك سيحرص المساهمون على اختيار الأشخاص الأكفاء لتمثيلهم في مجالس الادارة وذلك مما تقتضيه الحكمة بعد ما رأينا تلاعب الكثير من مجالس ادارات الشركات في مصلحة المساهمين.
 
ولعل من المناسب في هذه المرحلة ان تقوم هيئة سوق المال بالتعاون مع الجهات التدريبية بتقديم دورات تدريبية دورية لأعضاء مجلس الادارة لتوعيتهم بالمهارات الادارية والمالية اللازمة لاتخاذ القرار المناسب.
 
أخيراً، ان اصدار حزمة من القوانين والقرارات من غير وجود تصور واضح لعملية التنفيذ يدخل المؤسسة والجهات ذات الصلة بتلك القرارات والقوانين في متاهة الفشل والتحايل على القانون.

عمر سالم المطوع
متخصص في الادارة والموارد البشرية

تفاوض أم ملاكمة؟

 

                  
في زحمة الأعمال وأحداث الحياة اليومية، يمر علينا بعض المواقف، التي تتطلب منا الوصول الى اتفاق او حلول مقبولة لكل الاطراف ذات العلاقة، فالعملية التي نقوم بها للوصول الى الاتفاق هي ما يسمى بالتفاوض، وهو ما نمارسه في حياتنا اليومية اكثر من مرة سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة، فحديثك مع ابنك حول درجاته المتدنية في الرياضيات والوصول الى اتفاق للارتقاء بمستواه التعليمي او الدراسي هو نوع من التفاوض، وحديث والدتك مع صاحب البضاعة لتخفيض السعر او ما يسمى بـ {المكاسر}، هو كذلك نوع من التفاوض.
 
ان فن التفاوض من المهارات الرئيسية التي نحتاجها في حياتنا لتحقيق النجاح على المستوى الفردي او المؤسسي، ولكن للاسف الكثير منا ينظر الى التفاوض على انه مباراة ملاكمة ذهنية، حيث يبدأ احدهم حواره التفاوضي بكلمات استفزازية تعكر سير العملية التفاوضية فيكون الفشل الذي يقود الى تعميق الخلاف بين اطراف التفاوض.
 
لذا نجد ان المتخصصين في فن التفاوض يوصون دائما باهمية الاستعداد لعملية التفاوض وتحليل المواقف بناء على احداث حقيقية وليس على امنيات، ومن انواع الاستعداد للتفاوض هو دراسة طبيعة الشخصية التي تفاوضها، فتلك الدراسة تساعد في اختيار افضل الاساليب والاستراتيجيات في التفاوض، وهناك عدة استراتيجيات ذكرها المختصون في فن التفاوض ابرزها استراتيجية المصلحة المشتركة، والتي تقوم على اساس التعاون وتحقيق مصلحة الطرفين، اما الاستراتيجية الاخرى فهي استراتيجية الصراع والقائمة على التنافس والعداء، والتي قد تكون بعيدة في بعض اساليبها عن الجانب الاخلاقي. وينطوي تحت كل نوع من الاستراتيجيات التي ذكرناها عدة اساليب وتكتيكات، فمثلا من اساليب استراتيجية المصلحة المشتركة، اسلوب التكامل وهو ان تتطور العلاقة بين طرفي التفاوض الى ان يصبح كل طرف مكملا للاخر، وعادة ما تنشأ شراكات مستقبلية بين طرفي التفاوض اذا استمرت تلك العلاقة التفاوضية. اما اسلوب الانهاك والاستنزاف فهو احد اساليب استراتيجية الصراع، والذي يقوم على اساس استنزاف وقت الطرف الاخر وجهده وماله الى اقصى درجة ممكنة.
 
ختاما: ان تطوير مهارات التفاوض عادة ما يتم من خلال ورش التدريب ومن خلال كذلك الممارسة العملية، والناظر للازمة المالية الاخيرة سيجد انها كانت مكانا خصبا لتطوير مهارات التفاوض لدى موظفي القطاع الخاص وبالتحديد مع البنوك الدائنة، والمتأمل لتجارب بعض الشركات في سوقنا المحلي يكتشف انها بسبب مهارات التفاوض التي تمتلكها قد حققت مصالح كبيرة لمساهميها.


عمر سالم المطوع
متخصص في الادارة والموارد البشرية

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

إدراك القيادات

 

 
في عام 1956 قام الباحث الجيولوجي الياباني يوكي مع مجموعة من الباحثين والمهتمين في مجال الجيولوجيا بالذهاب إلى جنوب افريقيا، بهدف البحث والتنقيب عن الماس والأحجار الكريمة. لقد كان يوكي وزملاؤه يعملون بجد خلال زيارتهم الاستكشافية لجنوب افريقيا، وذلك بما يعادل 15 ساعة يومياً، وبعد ما يقارب عشرة أيام من العمل المضني شعر يوكي بالإجهاد الشديد مصحوباً بالإحباط. وحينها قرر أن يعود إلى الفندق، وبينما هو في الطريق، وإذ به يرى صبياً لا يتجاوز عمره العشر سنين، وبيده حجر كبير له بريق ملفت، فاقترب يوكي من ذلك الصبي وسأله عما يمسكه في يده، فقال الصبي «لا أعرف ولكني وجدته على شاطئ البحر». حينها طلب يوكي من الصبي أن يعطيه الحجر مقابل مبلغ من المال، ولكن الصبي تردد، وقال: «هل معك شيء آخر»؟ قال يوكي «نعم معي بعض الحلوى هل تقبلها مقابل الحجر»، فوافق الصبي وأخذ يوكي الحجر وانطلق مسرعاً إلى الفندق لإجراء بعض الاختبارات على الحجر. ولقد أعادها عدة مرات حتى تأكد ان الحجر الذي بين يديه عبارة عن قطعة من الماس الخام الذي تقدر قيمته بملايين الدولارات.
إن قصة يوكي تحمل في طياتها عددا من المعاني، ولكن دعونا نتساءل من منا كأفراد أو قيادات في المؤسسات العامة أو الخاصة مثل يوكي؟ ومن منا مثل ذلك الصبي الذي لا يدرك قيمة ما يملك من مهارات وإمكانات شخصية، أو ما تملك المؤسسة التي هو على رأسها من ثروات وقدرات مادية وبشرية وغيرها؟
إن الإدراك هو الخطوة الأساسية للتغيير إلى الأفضل، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى القيادات التنفيذية للمؤسسة. إن قوة القيادات في إنجاح المؤسسات التي يديرونها مبنية على إدراكهم للثروة الهائلة التي تمتلكها المؤسسة وقدرتهم على توظيفها بالطريقة الصحيحة والفاعلة.
ختاما إن إدراكنا لقيمة ما نملك من قدرات وإمكانات يجعلنا نخطو الخطوات الصحيحة نحو التغيير الإيجابي، لذا أنصحك أن يكون لديك جلسات تأمل دورية، لتعزز في ذاتك الإدراك الواعي لما تملك، وما تدير من حولك.
 
 
 

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة والموارد البشرية

الاثنين، 20 مايو 2013

التفاؤل خيار متاح دائماً



كان هناك شخص اسمه جيري، وهو مدير لمطعم متميز، وكان دائماً في مزاج جيد، وعندما يسأله أي شخص عن حاله، كان يجيب على الفور: «أنا والخيار الأفضل دائماً توأمين»، لقد كان جيري يغمر كل من حوله بجو من التشجع والحماسة، حتى ان العديد من موظفي مطعمه تركوا وظائفهم وانتقلوا معه عندما انتقل إلى مطعم آخر، وذلك لكي يظلوا معه.


لقد كان جيري يعلم موظفيه كيف ينظرون إلى الأحداث التي تمر بهم بشكل إيجابي، حتى إن أحد موظفيه سأله ذات يوم، فقال له: كيف بإمكانك أن تكون متفائلاً وإيجابياً كل الوقت؟ فرد عليه جيري: كل صباح عندما استيقظ يكون عندي خياران أستطيع أن أكون في مزاج جيد أو أن أكون في مزاج سيئ، وأنا أختار دوماً أن أكون في مزاج جيد، وفي كل مرة يحصل شيء سيئ يكون عندي أيضاً خياران، إما أن أكون الضحية وإما أن أتعلم من الأمر. وأنا دائماً أختار أن أتعلم من الأمر، وفي كل مرة يتقدم أحد الموظفين بشكوى يكون عندي خياران، إما أن أقبل هذه الشكوى وحسب وإما أن أوضح للشخص الجانب الإيجابي من الأمر، فقال له الموظف: لكن ذلك ليس بالأمر السهل، فرد عليه جيري: إنه أمر سهل إذا أردت.. لأن الحياة بشكل عام تتعلق بالخيارات، وإذا اختصرت المواقف التي تمر معك، فإنك سوف تجد انها في النهاية تكون عبارة عن خيارات، فأنت تختار كيف تكون ردة فعلك في موقف معين، وكذلك تختار كيف سوف يكون تأثيرك على الآخرين، وتختار أيضاً أن تكون بمزاج سيئ أو جيد، وبالنهاية فإنه خيارك كيف تحيا حياتك التي تريد.


إن سلوك التفاؤل يجب أن نختاره لحياتنا الشخصية إذا أردنا أن نكون سعداء، وهو ضروري كذلك لقيادة أي مؤسسة، لأنه يبعث الأمل والطموح في نفوس العاملين، مما يمكنهم من تحقيق أهداف المؤسسة بجدارة، إن ما نتعلمه من قصة جيري هو ان طريقة نظرتنا للأحداث هي التي تحدد مستوى تفاؤلنا وإيجابيتنا في الحياة. ودعني أعطيك مفتاحا جيدا يساعد في تنمية التفاؤل لديك، وهو إنه في حال حصول حدث سلبي لك فلا تفترض ديمومة ذلك الحدث، ولا تجعل مشاعره السلبية تعم باقي أحداث حياتك المضيئة، اما في حال حصول حدث إيجابي لك فافترض ديمومة ذلك الحدث وعمم مشاعره الإيجابية على باقي مواقف حياتك الأخرى، إن تعميم وافتراض ديمومة المشاعر السلبية للحدث المؤلم الذي حصل لك هو الذي يكرس فيك صفة التشاؤم، وعلى عكس ذلك فتعميم وافتراض ديمومة المشاعر الإيجابية للحدث المفرح، الذي حصل لك، هو الذي يعزز روح الإيجابية والتفاؤل في شخصيتك.


أخيراً، تذكر دائماً انك بإمكانك تغيير شخصيتك إلى الأفضل، فشخصيتك عبارة عن مجموعة عادات اعتدت عليها في حياتك، وعاداتك عبارة عن مجموعة سلوكيات مارستها في حياتك بصورة مستمرة،
وسلوكياتك تنشأ من مجموعة قناعات وأفكار اعتقدت بها، فإذا أردت التغيير فابدأ بتغيير أفكارك.

الأحد، 5 مايو 2013

إدارة التدفقات النقدية

 

                  
من الأسباب الرئيسية لنجاح المؤسسات المالية والتجارية، الكفاءة في إدارة الموارد والتدفقات النقدية لتلك المؤسسات، فاستمرارية تلك المؤسسات مرهونة بمدى قدرتها على توفير النقدية الكافية التي تؤهلها لتطوير منتجاتها وصناعة الفرص الاستثمارية التي تُعظِّم من خلالها أرباحها، والتي تُمكِّنها كذلك من تسديد التزاماتها تجاه الدائنين والموردين. إن الكتابة في التدفقات النقدية تذكرني بمقولة كان دائما ما يرددها والدي بو أيمن، حفظه الله، وهي Cash As King. ومن خلال تجربتي في قطاع البنوك وشركات الاستثمار ورؤيتي لبعض المؤسسات التي تساقطت خلال الأزمة المالية تبينت لي صحة مقولة الوالد.
إن مهام إدارة التدفقات النقدية تتمثل في الاستخدام الكفء للأصول الجارية والخصوم الجارية للمؤسسة مما يحقق أغراض المؤسسة، وكذلك التخطيط المنظّم ومراقبة أرصدة الحساب والإنفاق وإدارة التحصيلات بالإضافة إلى جمع المعلومات وإدارتها بما يساهم في معرفة وقياس المخاطر المتعلقة بموضوع النقد داخل المؤسسة. ولتحقيق تلك المهام الرئيسية باحترافية نجد أن هناك بعض المؤسسات الاحترافية تولي عناية خاصة لذلك كاتحاد الماليين المحترفين في الولايات المتحدة الأميركية، ما يعرف The Association for Financial Professionals، فمثل تلك المؤسسات تقدم بحوثا ودراسات لتطوير علم وفن إدارة النقدية وكذلك شهادات مهنية تعرف بــ Certified Cash Manager.
إن مدير إدارة التدفقات النقدية أو الخزينة في المؤسسة يلعب دورا رئيسيا وفعالا في استمرارية المؤسسة وبقائها في المنافسة، والإدارة التنفيذية التي لا تستمع إلى نصائح وإرشادات تلك الإدارة المهمة بلا شك إنها تُعرض نفسها لمخاطر كبيرة قد تكون تكلفتها تفليسة المؤسسة. ولقد رأينا العديد من المؤسسات التي تخبطت في إدارة النقدية المتوافرة لديها حتى أصبحت في مصاف المؤسسات الفاشلة بعدما كان يشار إليها بالبنان. ولعل أحد أسباب التخبط هو عدم إدراك الادارة التنفيذية لأبعاد إدارة النقد بكفاءة لضمان استمرارية الشركة وتركيزها فقط على قائمة الدخل والربحية لمواكبة المنافسة المحمومة او للمحافظة على المنصب الوظيفي ذي المزايا المغرية. وللأسف، إن كثيرا من مجالس ادارات المؤسسات لا تعتني إلا بربح المؤسسة (كرقم فقط) من غير النظر بعمق لمكونات ذلك الربح واثره في التدفقات النقدية للمؤسسة.
أخيراً، إن إدارة التدفقات النقدية بكفاءة عنصر أساسي لتكوين الثروات، سواء للمؤسسات أو للأفراد.

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

السبت، 30 مارس 2013

صناعة التغيير

 

  تيدي ستودارد طالب في الصف الخامس، طبيعة شخصيته أنه مهمل وكسول ومنطوي على نفسه، وغالبا ما تظهر عليه ملامح الحزن والاكتئاب، لذلك كانت مدرسته تومسون متأكدة بيقين أنه يستحق الرسوب في هذه المرحلة الدراسية، وفي ذات يوم قامت تومسون بمراجعة السجلات الدراسية السابقة لتلاميذها وذلك كإجراء روتيني مطلوب من كل معلم في المدرسة ولكنها فوجئت بشيء ما!!
  لقد فوجئت بما كتبه مدرسو المراحل السابقة عن تيدي، فقد كتب معلم تيدي في الصف الأول الابتدائي ما يلي: «تيدي طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة. إنه يؤدي عمله بعناية واهتمام، وبطريقة منظمة، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق». وكتب عنه معلمه في الصف الثاني: «تيدي تلميذ نجيب، ومحبوب لدى زملائه في الصف، ولكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال، مما جعل الحياة في المنزل تسودها المعاناة والمشقة والتعب». أما معلمه في الصف الثالث فقد كتب عنه: «لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه.. لقد حاول الاجتهاد، وبذل أقصى ما يملك من جهود، ولكن والده لم يكن مهتماً، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر فيه إن لم تتخذ بعض الإجراءات». بينما كتب عنه معلمه في الصف الرابع: «تيدي تلميذ منطو على نفسه، ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة، وليس لديه الكثير من الأصدقاء، وفي بعض الأحيان ينام أثناء الدرس».
وهنا شعرت تومسون بالخجل من طريقة تعاملها مع تيدي، وفي ذات يوم قام التلاميذ بإعطاء هدايا للسيدة تومسون بمناسبة عيد ميلادها ولقد كانت هدية تيدي مغلفة بطريقة بشعة جدا، وقد كانت تحتوي على عقد ناقص ليس فيه الا بعض الأحجار وقارورة عطر ليس فيها الا الربع، وبدأت نظرات السخرية بين التلاميذ تتناقل استغرابا وتهكما من هدية تيدي لمدرسته، ولكن ما كان من تومسون الا أن أبدت إعجابها الشديد بجمال ذلك العقد ثم لبسته على عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها. لقد كان هذا التصرف هو مفتاح التغيير لتيدي فقد جاء لمُدرسته في آخر اليوم الدراسي وقال لها: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي!
 ومن تلك اللحظة أولت تومسون اهتماما خاصا بتيدي حتى أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل، وأبرزهم ذكاء وتفوقاً، وفي نهاية العام الدراسي وضع تيدي على باب مدرسته مذكرة يقول فيها: «إنها أفضل معلمة قابلها في حياته»
  وهكذا انتقل تيدي الى المراحل الدراسية الاعلى، وكان يجتازها بتفوق، ولقد كانت خلال تلك الفترة بينه وبين تومسون رسائل، وكان في كل مرة يخبرها «بانها أفضل معلمة قابلها في حياته» وفي ذات يوم دعاها لحضور حفل زواجه فماكان من تومسون الا أن حضرت حفل الزفاف ولبست العقد الذي أهداها إياه تيدي منذ سنوات فما إن رآها حتى احتضنها وهمس في اذنها وقال: «أشكرك على ثقتك بيّ، وأشكرك أجزل الشكر على أنك جعلتني أشعر بأنني مهم، وأنني يمكن أن أكون متميزاً»
  د. تيدي ستودارد هو الطبيب الشهير الذي لديه جناح باسم مركز «ستودارد» لعلاج السرطان في methodist hospital في ولاية Iowa بالولايات المتحدة الأميركية، ويعد من أفضل مراكز العلاج ليس في الولاية نفسها وإنما على مستوى الولايات المتحدة الأميركية،
  أخيرا اننا لن ننجح في صناعة التغيير مالم نغير بعض قناعتنا السلبية والمشوهة ومالم نغير سلوكنا وطريقة تفكيرنا ونجعلهما في الاتجاة الإيجابي.

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة والموارد البشرية

الثلاثاء، 12 مارس 2013

النمطية قاتلة الإبداع

 

الأسلوب أو النمط المتعلّق بإدارة المؤسسة أو إدارة الفرد لذاته له علاقة مباشرة بالنجاح. ولقد رأيت تخلف الكثير عن مرتبة الريادة والتميز بسبب الجمود على نمط إداري واحد، مما نتجت عنه رتابة ونمطية قاتلتان للإبداع والتجديد. لذا، علينا ألا نستغرب عندما نجد مقومات النجاح واضحة عند بعض الأفراد والمؤسسات، ولكنها تتناقص شيئاً فشيئاً حتى يكون الفشل هو السمة البارزة لهم، وذلك بسبب اختيار النمط الإداري الخاطئ.
 
لذا، فإن مراجعة أساليب وأنماط الإدارة في المؤسسة له أثر كبير في تقدم المؤسسة، لأن ما قد يستخدم من أنماط وأساليب إدارية قبل عشر سنوات قد لا يصلح للفترة الحالية. وهنا، علينا أن نلاحظ أن تغيير نمط المؤسسة في إدارة أعمالها يحتاج إلى حكمة وجرأة حتى لا يكون لذلك التغيير آثار سلبية على سمعة المؤسسة وأدائها، فكثير من المؤسسات عندما تقرر البدء في خطوة التغيير، فإنها تستعين ببيوت الاستشارة لتقدم لها النموذج الأمثل لإدارة المؤسسة والخطوات التنفيذية لتطبيقه. ولكن في كثير من الأحيان لا تستطيع بيوت الاستشارة فهم الثقافة الإدارية التي نشأت عليها تلك المؤسسة، فتكون استشارتها بعيدة عن فهم الواقع، وحين تقوم الإدارة التنفيذية للمؤسسة بتطبيق النموذج الإداري الجديد الذي أوصت به الجهة الاستشارية الخارجية، فإنها تكتشف بعد فترة من التطبيق أنها طبّقته بطريقة ألحقت الضرر بسمعة المؤسسة وأدائها.
 
أما على مستوى الفرد، فعليه أن يعي أهمية إدارة ذاته بالطريقة الصحيحة التي تحقق له السعادة، فحينما يكتشف الإنسان أن نمط حياته هو السبب في الإخفاقات والأزمات التي تمر عليه، فحينها عليه أن يقرر ويبدأ في تغيير نمط حياته حتى تتبسم له الحياة، ويشعر بإشراقها، وعليه أن يجعل نمط حياته يحقق له التناغم بين متطلبات العقل والجسد والروح.
 
أخيراً، علينا أن ندرك أن اختيارنا للنمط الذي يناسبنا في الإدارة غالباً ما يكون مبنياً على خبراتنا وثقافتنا في الحياة، وهذا في حد ذاته قد يكون عائقاً لنا للنجاح إذا كانت خبراتنا وثقافتنا مبنية على تجارب وعادات سلبية جعلت تفكيرنا مشوهاً لا يستطيع تبني النمط الإيجابي ويقنع بما هو عليه من الإحباط بسبب بعض محاولات التغيير التي باءت بالفشل. يقول مارك توين: «لايمكن إلقاء العادات القديمة من نافذة الدور العلوي، بل يجب أن تنزل السلم بلطف درجة درجة في كل مرة».

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة والموارد البشرية

الخميس، 14 فبراير 2013

إدارة الذات بين الإهتمام والإلتزام

هناك فارق كبير بين الاهتمام بهدف أو طموح ما وبين الالتزام في تحقيقه، فكثير منا لديه قائمة بالأهداف والطموحات، ولكنه غير قادر على تحقيقها لأنه لا يملك الإرادة الصادقة ومهارات إدارة الذات التي تمكنه من توجيه قدراته نحو ما يصبو إليه.
 
لقد حضر العديد منا دورات في إدارة الذات التي غالباً ما تثير فينا الحماس للتغيير إلى الأفضل، ولكن سرعان ما تخبو تلك الحماسة لأننا لم نستطع الانتقال من دائرة الاهتمام إلى دائرة الالتزام بالتغيير وتحقيق الأهداف، فالالتزام يعني انك تقرر وتبدأ العمل بالخطوات التنفيذية التي توصلك لهدفك، فحينها يكون التزامك قوة تدفعك للعمل والاستمرار رغم كل الظروف والصعوبات التي تواجهك، وحينها ستجني قوة في إدارة ذاتك تمكنك من توجيه مشاعرك وأفكارك وإمكاناتك نحو الأهداف التي تطمح لها.
 
إن إدارة الذات تشمل العديد من المهارات الرئيسية مثل (تحديد الأهداف – تنظيم الوقت السيطرة على الذات – تعزيز الثقة بالنفس – إتقان فن التركيز – كيف تدير أعمالك وتتخذ قراراتك... وغيرها)، ولعل أفضل مهارة تجنيها عند نجاحك في إدارة ذاتك هو قدرتك على السيطرة والتحكم في مشاعرك وأفكارك وتوجيهها نحو ما تصبو إليه، لأن الشخص الذي لا يستطيع التحكم بمشاعره لن يستطيع التحكم بمسار أفكاره، ونتيجة لهذا التفاعل النفسي والعقلي ستكون أفكاره مشتتة وقراراته غير مناسبة، لذا فالنجاح في هذا الجزء من إدارة الذات والمتعلق بإدارة مشاعرك وأفكارك سيجعلك قادراً على رفض أي أفكار أو مشاعر سلبية تنتابك وتعيقك عن رحلة النجاح، وستلاحظ بوضوح قدرتك على التحكم بردود أفعالك وستكون كذلك متمكناً من تبني الأفكار والمشاعر الإيجابية التي تدفعك للعطاء والإنجاز.
 
أخيرا إن النجاح في إدارة ذاتك سيفتح لك آفاقاً جديدة عن نفسك وقدراتك وستكون أقدر على قيادة زمام نفسك نحو ما تريد من غير أن تحزن على ماضيك، ومن غير أن تقلق على مستقبلك، وستكون حينها قادراً على إدارة مسؤولياتك في الحياة بكل جدارة، فلا تتأخر وابدأ الآن بتطوير قدراتك في إدارة ذاتك ولا تجعل أفكارك وقناعاتك والأصوات المحبطة التي حولك تثنيك عن ذلك، وتذكر دائماً ان «حياتك من صنع أفكارك».

الأحد، 3 فبراير 2013

أخلاق المهنة والعدو الأكبر في اليابان

 

المهن التي يمارسها الأفراد في أي مجتمع، تعتبر بمجموعها إحدى الأدوات التنفيذية الرئيسية في تحقيق أهداف وتطلعات الشعوب والجماهير، لذا نجد أن الدول المتقدمة تبادر دائماً في تشريع القوانين وترسيخ الثقافات التي تعزز أخلاق المهنة. ولا غرابة في ذلك، لأن أخلاق المهنة تندرج تحت المسؤولية الأخلاقية. والتي هي أوسع وأشمل من المسؤولية القانونية، لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، وأي مجتمع يفقد المسؤولية الأخلاقية لدى مواطنيه، فهو فاقد لركن أساسي لنهضته.
إن أخلاق المهنة عبارة عن الأخلاق الواجب توافرها في العاملين، وفي بيئة العمل لمؤسسة ما أو لمهنة معينة، وهي تشمل أخلاق الأداء المثالي للمهنة، وأخلاق مزاولة المهنة، وكذلك أخلاق التعامل مع المستفيدين من المهنة وزملاء العمل. ولكم أن تتصوروا الضرر الواقع على المجتمع في حال مزاولة المهن من غير أخلاق. لذا فالحديث عن أخلاق المهنة قد يكون مجرد تنظير، وقد يكون واقعاً حقيقياً إذا أردنا ذلك من خلال عدة وسائل، إحداها تدريس أخلاق المهنة جنباً إلى جنب مع المعرفة الأكاديمية. فكلاهما لا يستغني عن الآخر، ومن خلال كذلك صناعة القدوات المجتمعية التي تكون نموذجا لأفراد المجتمع. ودعوني أصارحكم بشيء، وهو أن مجتمعنا مملوء بكثير من النماذج المعروفة، والتي يشار إليها بالبنان، ولكن بعضا منها وللأسف الشديد عندما يُخير بين جانب الربح والمادة، وجانب أخلاق المهنة، فإنه عادة ما يميل إلى الجانب الأول، على حساب الجانب الثاني. والتناقض العجيب بأن هؤلاء لا يزالون مستمرين في تنظيرهم حول أهمية أخلاق المهنة، ويطرحون بعض نماذج الدول المتقدمة في حواراتهم، وهم أبعد ما يكونون إلى ما يدعون إليه، حتى أثروا سلبا في قناعات الجيل القادم.
ومن يرى واقعنا وواقع اليابان مثلا، يتمنى لو أن شعوبنا تقتبس جزءاً كبيرا من الشخصية اليابانية. ولقد أعجبني وصف الكاتب الدكتور حسين حمادي للشخصية اليابانية في كتابه المتميز «أسرار الإدارة اليابانية»، حيث يقول: «فالشخصية اليابانية منضبطة،‏ تقدس الوقت،‏ وتحترم النظام‏،‏ وتبدع من ضمن الفريق الواحد‏،‏ وتلتزم وبشدة بآداب التعامل‏،‏ وأخلاقيات المتاجرة رفيعة وموصوفة بالصدق والأمانة‏.‏ وهناك إحساس عام بالأمن والأمان في اليابان، لتوافر الوظيفة المنتجة والتأمين لمعظم الخدمات الاجتماعية‏.‏ وهذه الأخلاقيات نابعة من الاهتمام بالبرامج التعليمية المتعلقة بالأخلاقيات والسلوك للمواطن‏، ومنذ الصغر في البيت والمجتمع والمدرسة‏.‏ كما أن محاسبة القانون صارمة للمخالفين.. ولا يرحم القانون الياباني الغني أو الفقير‏،‏ الوزير أو الغفير‏،‏ فحينما تكتشف المخالفات‏،‏ تدرس أسباب حدوثها،‏ ويحاسب مرتكبوها‏،‏ ويمنع تكرارها‏.‏ بالإضافة إلى أن القيم المجتمعية اليابانية تفرض على الشخص الاعتذار‏، لذلك يعتذرون ويعترفون بأخطائهم في معظم الأحيان‏».
‏ أخيرا تقول الحكمة اليابانية « الإهمال هو العدو الاكبر».


عمر سالم المطوع

الخميس، 17 يناير 2013

الالتزام بالعطاء

 

تزداد حياتنا بالعطاء جمالا وانشراحا ،فمن يحرم العطاء يحرم خيرا كثيرا، وكم رأيت أناسا بسطاء وبعطائهم أصبحوا عظماء وخلدوا ذكراهم في التاريخ. إن صفة العطاء من السمات اللازمة للقادة الأكفاء ،ولعل الكثير منا يُضيق معنى العطاء في الجانب الإداري فيجعله محصورا في الجانب المادي المتمثل فقط في المكافآت والترقيات، وهو في حقيقته أشمل من ذلك بكثير، فمثلا تشجيعك لأحد زملائك في العمل لكي يتميز في وظيفته يعتبر من العطاء وكذلك مساهمتك الفاعلة في خلق بيئة عمل إيجابية في مؤسستك يعتبر كذلك من العطاء وهكذا لو أطلقت لخيالك العنان لوجدت أنك تستطيع كل يوم أن تفتح آفاقا جديدة من العطاء.
إن المؤسسات التي تخلو من أجواء العطاء مؤسسات سقيمة مصيرها الاضمحلال، لأنها كرست كل جهودها للأخذ دون التفاني في العطاء، فمثلا تجد في واقعنا بعض المؤسسات التي ترسو عليها مناقصات ضخمة لتنفيذ مشاريع حيوية في البلاد، ولكنها للأسف الشديد تتقاعس في تنفيذ تلك المشاريع على الوجه الصحيح والجودة المطلوبة، وذلك بحجة تعظيم هامش الربح، فيتكرس لدينا نموذج «خذ ما اتخذ» وهكذا ينحسر سلوك العطاء شيئا فشيئا وحينها قد يتهاوى بنيان المجتمع ويصبح السلوك السائد فيه هو سلوك الجشع والانانية. ولو تأملنا في تاريخنا لوجدنا ان اهل الكويت الأوائل اعطوا وطنهم وجدوا واجتهدوا حتى اصبحت بلادهم رائدة في المنطقة، لانهم تيقنوا أن العطاء هو لبنة أساسية في بناء المجتمعات، فهل لنا من وقفة صادقة لإحياء ذلك المفهوم من جديد في قطاعات الدولة العامة والخاصة حتى نستطيع أن ننهض من جديد. فالعطاء للكويت سلوك نمارسه في حياتنا العملية واليومية وليس كلمات نتغنى بها فقط في المناسبات والاحتفالات.
أخيرا من نماذج العطاء الحديثة ما ابتكره بيل غيتس ووارن بافيت واسمياه وثيقة «الالتزام بالعطاء»،وهي تخضع لإشراف مؤسسة متخصصة. حيث قام 92 فردا من أغنى الأفراد في العالم، بالتعهد بمنح نصف ثرواتهم على الأقل سواء في حياتهم أو بعد الممات. وكان من أبرز هؤلاء الأفراد مارك زاكربيرغ، الشريك المؤسس لفيسبوك الذي يملك ثروة تقدر بـ 12.5 مليار دولار، حيث وقع قبل عامين على وثيقة «الالتزام بالعطاء» وقد باشر في هذا العام في تحقيق جزء مما التزم به، حيث تبرع بمبلغ 498 مليون دولار لمؤسسة متخصصة لتطوير القطاع التعليمي.

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

الثلاثاء، 8 يناير 2013

الشركات غير الربحية من ميزات قانون الشركات الجديد

قبل عدة أيام طالعتنا جريدة القبس الموقرة بنشرة حول أهم مزايا قانون الشركات الجديد، ومما لفت انتباهي بشدة من تلك المزايا هو السماح بتأسيس شركات غير ربحية، لتقوم بدور اجتماعي إلى جانب الشركات التجارية بما يعزز الوظيفة الاجتماعية لرأس المال على نحو ما جاء بنص المادة 16 من الدستور. إن المؤسسات والشركات غير الربحية أو ما يسمى بالقطاع الثالث، وهي تشكل أساس وقلب المجتمع المدني المتحضّر، فوجودها وانتشارها وتنوع أعمالها وفاعلية أدائها في أي بلد، يعكس مدى التقدم والرقي لهذا المجتمع. وللأسف في العديد من مجتمعاتنا في العالم الثالث يقصرون عمل القطاع (غير الربحي) على الأنشطة الخيرية والإغاثية ويتجاهلون تحقيق التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية لمجتمعاتنا من خلال ذلك القطاع.
إن حقيقة الشركات (غير الربحية) تتمثل في جمعها بين خصائص الشركات الربحية من حيث الأهداف، وكذلك بين المؤسسات الحكومية العامة من حيث التنمية والتطور الاجتماعي. ويتركز نشاط مثل تلك المؤسسات والشركات على قطاعات المجتمع المتعددة، فمثلا تقوم تلك المؤسسات ببناء وتطوير المدارس والجامعات والمستشفيات، والمتاحف والمكتبات العامة، وتجهيز المتنزهات العامة والنوادي.
إن المادة 3 من قانون الشركات الجديد، الذي يتضمن قانون الشركات غير الربحية يعتبر نقلة نوعية في إتاحة الفرصة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في إنشاء كيانات غير ربحية تساهم في تقديم قيمة مضافة لبلدنا الكويت، إن قانون الشركات غير الربحية يعزز قيمة العطاء للمواطنين، ويمكنهم من تقديم مشاريعهم من خلال كيانات واضحة يتم الإشراف والرقابة عليها من قبل المساهمين والجهات الإشرافية في الدولة، وكم أتمنى أن أرى التنافس بين أصحاب رؤوس الأموال في الكويت في إنشاء شركات غير ربحية تتبنى المشاريع الصحية والتعليمية وغيرها، بحيث تدار بطريقة مهنية كالقطاع الخاص وتكون فائدتها للمجتمع ويكون الربح المحقق من هذا الكيان للإنفاق على تطوير مشاريع مشابهة في الكويت، وياحبذا أن تساهم الدولة في جزء من رأسمال تلك الكيانات، وأن تعطيها بعض التسهيلات لتحقق مشاريعها بنجاح في أرض الواقع. إن دعم الشركات غير الربحية القائمة على مشاريع حيوية يحقق تقدما مذهلا للدولة في عدة مجالات.
إن نماذج نجاح الشركات غير الربحية كثيرة، فمن تلك الأمثلة مستشفى مايوكلينك، وهو منظمة غير ربحية، وهو من أرقى المستشفيات في الولايات المتحدة الأميركية. إن الأثر الإيجابي للشركات غير الربحية لا يقتصر فقط على التنمية المجتمعية، بل يتعداه الى الدخل القومي للبلد، فمثلاً تشكل المؤسسات الاقتصادية غير الربحية %4 من الدخل القومي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يتواجد فيها ما يقارب تسع مائة ألف مؤسسة. أما في بريطانيا فيوجد فيها ما يقارب مائة وعشرين ألف مؤسسة غير ربحية.
أخيرا يقول د. بيتر دركر، المتخصص في علوم الإدارة «إن النجاح الذي حققته أميركا خلال الأعوام الأربعين الماضية يعود في الأساس إلى المؤسسات الاقتصادية غير الربحية».
عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

سمفونية تكامل الأدوار

لكل واحد منا أدوار في الحياة يؤديها، فهي بين ازدياد ونقصان حسب الظروف والمرحلة التي يعيشها الإنسان، والقيام بالأدوار المنوطة بنا في الحياة من غير مبالغة فيها ولا تقصير يحقق لنا حياة متوازنة، ومن لا يعرف كيف يدير أدواره في الحياة، فهو بلا شك يعرض نفسه ومن تحت مسؤوليته إلى فوضى وضياع. ولعل البعض منا غير مدرك أن أدوارنا في الحياة تكمل بعضها البعض بصورة مباشرة وغير مباشرة، فمثلاً عندما يقوم الفرد بدوره الواجب تجاه أسرته، ليجعلها سعيدة ومستقرة، فهو بلا شك يهيئ لنفسه نوعاً من التوازن الذي يدعمه لتحقيق باقي أدواره في الحياة بكفاءة.
إن تكامل الأدوار مفهوم حضاري يشمل الفرد والمؤسسة والمجتمع. فعلى صعيد المؤسسة، نجد أن استشعار أهمية تكامل الأدوار يجعل كل جزء إداري أو فني في المؤسسة يستشعر أهميته في تحقيق الهدف المنشود من خلال قيامه بواجبه بصوره تكاملية مع باقي أجزاء المؤسسة. وقد أوضح بعض المختصين في علم الإدارة أن من أهم أسباب انحدار أداء المؤسسات هو اقتناع أحد أجزاء المؤسسة بإمكاناتها على تحقيق أهداف المؤسسة، مستغنية عن باقي الأجزاء العاملة في المؤسسة. ولقد رأيت العديد من الممارسات التي سلكت هذا الأسلوب في الإدارة بمباركة قيادة المؤسسة. وقد كانت النتيجة مفرحة على المدى القصير، ومبكية على المدى الطويل، وذلك من خلال التآكل التدريجي في كيان المؤسسة، بحيث أصبح كل جزء يعمل وحده، ولا يهمه تكامل دوره مع باقي الأجزاء حتى ضعفت المؤسسة، وأصبحت كياناً مثقلاً بالأمراض الإدارية التي تحتاج إلى وقت طويل لعلاجها.
أما على صعيد المجتمع، فإن المجتمعات الناجحة هي التي تتسم مؤسساتها بالتكامل في الأدوار والانسجام مع بعضها البعض، بحيث تعزف كل مؤسسة مقطعاً موسيقياً ينسجم ويتكامل مع مقطع موسيقي آخر للمؤسسات الأخرى، بحيث يشكل سميفونية رائعة يستمتع ويستفيد منها كافة أفراد المجتمع. ولا شك في أن القيام بهذا الدور يحتاج إلى قيادة واعية لديها رؤية ثاقبة في بناء المجتمعات الرائدة والمستقرة.
أخيراً، أخبرني صديقي العزيز أحمد عبدالله العومي عن حادثة حصلت له في بريطانيا في مدينة مانسشتر، حيث أصيبت ابنته الصغيرة بالتهاب استدعى إعطاءها مضاداً حيوياً لمدة أسبوعين، وما إن انتهت مدة العلاج إلا وصحبها مرة أخرى إلى المركز الصحي، وحينها فحصها الطبيب ووصف لها مضاداً حيوياً آخر لمدة أسبوعين آخرين، وهكذا انقضت المدة ولم تتحسن حالة البنت، فقام مرة ثالثة بالذهاب إلى الطبيب، حيث وصف لها مضاداً حيوياً من نوع آخر لمدة مماثلة، والحمدلله قد تماثلت حينها للشفاء، ولكن ما أثار إعجاب صديقي أحمد هو أن المستشفى الرئيسي في المنطقة والذي لم يزره من قبل قد قام بالتواصل معه ليتأكد من سلامة ابنته، حيث إنهم تسلموا تقريراً مفصَّلاً من المركز الصحي التابع لهم عن حالة ابنته الصحية، وهم بدورهم أرادوا أن يطمئنوا على صحة البنت، ففي حال عدم تعافيها، فعليه أن يأتي بها إلى المستشفى الرئيسي لعمل فحوصات شاملة لها. إن القصة التي ذكرتها على سبيل المثال هي أحد النماذج الحقيقية لفوائد تكامل الأدوار على مستوى المؤسسات الصحية، وعليك أن تتصور أهمية تكامل الأدوار في مؤسسات الدولة وأثرها في نهضة المجتمعات.

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...