الجمعة، 13 ديسمبر 2019

التكاسل من عيوب العمل الجماعي


على الرغم من إيماننا بأهمية العمل الجماعي ، فهو وسيلتنا لإنجاز الأعمال بشكل أسرع عن طريق توزيع المسؤوليات بين أفراد الفريق كلٌ  حسب تخصصه، وهو كذلك عامل مهم فى تيسير عملية حل المشكلات من خلال مجاميع العمل التى تجتهد لحل المعضلات وتجاوز التحديات ، إلا إننا علينا أن نكون مدركين  لأحد العيوب الواضحة  للعمل الجماعي  والتي يسميها علماء النفس ظاهرة  " التكاسل الاجتماعي ".

 إن التكاسل الاجتماعي يظهر عندما يذوب الإنجاز الفردي داخل إنجاز الجماعة ، فعندما يصبح إنجاز الفرد غير مرئي ففي أغلب الحالات  يتراجع الإنجاز الفردي ونرى ذلك واضحاً فى لعبة شد الحبل  وفى رياضة فرق التجديف فكلما زاد عدد الفريق كلما قلت مساهمة الفرد فيه ، أما فى سباق الجري المتتابع فالأمر مختلف  تماماً فإنجاز الفرد واضح وجلي. إن  التكاسل فى العمل الجماعي ليس مقصوراً على الجهد البدني ولكنه يمتد إلى الجهد الذهني فكلما زاد عدد أفراد فريق  العمل كلما قل مستوي النشاط  الذهني لهم  فى حل التحدي الذي أمامهم.

إن ظاهرة " التكاسل الاجتماعي " يجب أن لانغفل  عنها ونحن ندعو ونشجع ونستحث من حولنا على  أهمية العمل الجماعي ، فهذه الظاهرة لها سلبيات ليس فقط  على مستوي الإنجاز ولكن  كذلك على مستوي المسئوليات ، حيث تري أفراد الفريق يتنصلون من مسئوليتهم عن النتائج السيئة التي تحققت وذلك   من خلال اختفائهم وراء قرارات الجماعة أو مايسمى  بظاهرة "المسئولية الموزعة ". أما فى جانب المخاطر ، فعادة ماتجنح فرق العمل  فى تبنى مخاطر أعلى من المخاطر التى يمكن أن يتخذها الأفراد مستقلين،  فلسان حال  الفرد حينها  " لوحصل فشلاً أو إخفاقا فلن أتحمل التبعة لوحدي".


ختاماً
إن تخلصنا من ظاهرة" التكاسل الاجتماعي" المصاحبة للعمل الجماعي يتطلب منا أن نحرص على إظهار الإنجاز الفردي الذي يحصل داخل فرق العمل من خلال أدوات قياس دقيقة   ونُكرم أصحابها وأن لا نجعل إنجازات الأفراد تذوب  فى غالب الجماعة التي قد يتصدرها قيادات شغلها الشاغل تلميع ذواتها وبخس إنجازات أفرادها.



د.عمر المطوع
Omar_mutawa@yahoo.com

الأحد، 8 ديسمبر 2019

الحلول الحاضرة


في كثير من الأحيان عندما نلتقي مع مستشارين أو مختصين لبحث حل لمشكلة ما  ، عادة ما نجد أن عندهم حلول مفضلة يصفونها لأكبر عدد من الحالات ولربما كانت هناك حلول أفضل  ولكنها غير حاضرة في تفكيرهم ، أو ربما لا يرغبون في شحذ تفكيرهم  وبذل جهد أعلى لدراسة المشكلة أو الحالة بصورة مختلفة ، فهم يكررون الحلول التي اعتادوا على ترديدها  فهي سهلة الاستحضار بالنسبة لهم . إن الحلول التي نتلقاها بهذه الطريقة غالباً  ما تكون ممزوجة  بانحياز معرفي لأصحابها  .
إن انحيازاتنا المعرفية  لها تأثير مباشر على طريقة تفكيرنا وعلى الحلول التى نقدمها لأنفسنا وللآخرين ، ولقد عايشت ذلك من خلال عدة مواقف استشارية وإدارية ، فمثلا تجد لجان التدقيق المنبثقة من مجالسها الإدارات شغلها الشاغل مراجعة  الميزانيات الربع السنوية والإطلاع على تقرير المدقق الداخلي حول سياسات الشركة ومدي الالتزام بها وهذا هو  النمط السائد  في مثل تلك ،اللجان  ومن ثم أخذ القرارات والتوصيات، ولكن قلما تجد من يناقش بيئات العمل المحفزة  ومدي تأثيرها في  ربحية المؤسسة أوأن  يُقيم المبادرات التي حسنت من أداء المؤسسة ، أو أن يجتهد فى معرفة ماوراء هذه الأرقام والملاحظات من أسباب أخري غير التى ترد على الذهن مباشرة.

إن مُصطلح «الانحياز المعرفي » في علم النفس الاجتماعي  يشير إلى إظهار تفضيل لمنظور أو توجه  مُعيَّن عند إصدار الأحكام والأفعال، أو تحديدًا عندما تتدخَّل تلك التفضيلات الشخصية لتؤثِّرعلى النزاهة والموضوعية؛  بطريقة أخرى يمكننا القَول أن الإنحياز هو الحُكم من منظور واحد مما يؤدي إلى عدم الدقة في الحكم ووجود أخطاء 

 إن الإنحياز المعرفي قد يصل الى 100 نوع ويقع ضمن عدة تصنيفات  وتجد أدناه أربعة  أنواع منها كمثال : 

    • الارتساء أو وهم التركيز «Anchoring effect»:  
"تأثيرالارتساء" معناه أن يعتمد الشخص بشكل كبير جدًا في اتخاذ القرار أو تشكيل وجهة النظرعلى أول معلومة أو جزء بسيط من المعلومات تصل إلى مسامعه، وتسيطر تلك المعلومة على صناعة القرار دون النظر إلى الجوانب الأخرى، فبمجرَّد أن يرسَخ هذا التأثير يبدأ بتشكيل انحياز نحو تفسير- وأحيانًا تعديل- المعلومات الأخرى لكي تتماشى مع المعلومة الأولى وتؤكِّدها.

  • الانحياز لإيجابيات الاختيار :
«Choice supportive bias»
عندما يختار الناس شيئًا ما فإنهم يميلون إلى التفكير في إيجابيات اختيارهم ويغضون الطرف عن سلبياته،.

  • إنحياز البقاء «Survivorship bias»:
هو الميل إلى التركيز على النماذج الناجحة فقط، مما يؤدِّي إلى عدم الدقة في الحُكم على الأمور، فقد تظن أن القيام بعملٍ ما هو أمر سهل للغاية فقط لأنك لم تسمع بكل أولئك الذين فشلوا فيه.



  • إنحياز الابتكار «Pro- innovation bias»:
هو انحياز المؤيدين لابتكار أو اختراع ما، بحيثُ يبالغون في تقدير أهميته ويتجاهلون عيوبه أو محدوديته..

ختاما : 
إننا من طبيعي أن يكون لدينا إنحياز معرفي ولكن علينا أن نكون مدركين له ونحاول أن نبطل تأثيره السلبي على تفكيرنا من خلال التحاور مع أشخاص يختلفون بطريقة تفكيرهم  عنا والتواصل  مع أناس لديهم خبرات مختلفة و متنوعة  ،فمثل هذا التواصل ينمي مداركنا للاستيعاب بصورة أفضل ويفتح لنا أفاق لم يكن أن نصل لها لو ظللنا لوحدنا . 
                                                  
                                                                           د.عمر المطوع 
مراجع:
The Critical Thinker,The Path To Better Problem Solving, Accurate Decision Making, and Self-Disciplined ThinkingSteven Schuster 

المكابرة المزعجة

فى أحد الدورات التخصصية فى علم المحاسبة ، بين لنا المحاضر مفهوم التكلفة الغارقة ((sunk cost وهي عبارة عن التكاليف التي تم صرفها في مشروع  أو قرار معين ولايمكن استعادتها، ولتكلفة الغارقة  تأثير كبير على سلوكياتنا سواء  على الصعيد الشخصي أو المهني ، فقد نتخذ قرارات معينة فى حياتنا وعلاقتنا  أو أن نستثمر أموالنا فى مشروع ما ثم نكتشف لاحقا الخطأ الذى ارتكبناه  ،ونكون حينها قد أنفقنا الكثير من الوقت والمال والجهد والمشاعر ، فحينها يتحول ماأنفقناه  إلى مبرر كاف لإكمال مشروعنا وعلاقتنا  وقراراتنا على الرغم من اقتناعنا إن هذا الاستمرار ليس منه جدوى ، ولكن ما دفعنا إلى ذلك هو التحسر على مابذلناه وأنفقناه من تكلفة غارقة .

ولعل من أسباب ذلك التصرف  المزعج   إن بعض الأشخاص  يحرص فى أن يظهر بصورة  الشخص الثابت بالمنهجية التى رسمها لنفسه أو لمؤسسته لإن ذلك الثبات أحد علامات المصداقية والالتزام  ، فنحن  كأشخاص  قد ندرك فى فترة ما إننا كنا نفكر سابقًا بشكل مختلف عما نحن عليه اليوم ، ولكننا لكي  نلجم ذلك الإدراك الواعي  الذي فى نفوسنا فإننا نقوم   بمواصلة المسير فى قراراتنا ومشاريعنا السابقة الخاطئة .إننا جميعًا نواجه فى حياتنا مثل تلك المواقف والقرارات ، خاصة عندما نقوم ببعض المراجعات الدورية لما نقوم به ، والشجاع فينا  من يحد  من خسائره  وينقذ ما يمكن إنقاذه  ولا يكون ضحية لتداعيات التكلفة الغارقة ، فتجاهل الحقيقة هو نوع من المكابرة المزعجة التي قد نخفيها من خلال سطوة شخصياتنا القيادية أو الأدبية أو الاجتماعية.

إن لتكلفة الغارقة  تبعات كثيرة  على النطاق الفردي الضيق أو نطاق المؤسسات والدول ، فمثلاً طائرة الكونكورد الخارقة لسرعة الصوت ،فعلى الرغم من إدراك  بريطانيا وفرنسا إن مشروعهم لن يؤتى ثماره ولن يحقق أهدافه  إلا إنهم استمروا  فى ضخ أموال طائلة فيه لفترة طويلة جداً وذلك للحفاظ على سمعتهما القومية . ولدينا مثالاً أخر  كذلك فى إستمرار الولايات المتحدة فى  حربها فى فيتنام  حيث كانت أحد مبرراتها  هو تضحيتها بحياة عدد كبير من الجنود ومن الخطأ التراجع الأن

ختاماً..
إن القرارات  المنطقية تتطلب منا أحيانًا  أن نتجاهل ما أنفقناه من تكاليف سواء كانت ماديه أو معنوية وأن ندرك تأثير التكلفة الغارقة على قرارتنا وأن نقدر جيداً حسابات الحاضر والمستقبل

د.عمر سالم المطوع 

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...