الخميس، 17 يناير 2013

الالتزام بالعطاء

 

تزداد حياتنا بالعطاء جمالا وانشراحا ،فمن يحرم العطاء يحرم خيرا كثيرا، وكم رأيت أناسا بسطاء وبعطائهم أصبحوا عظماء وخلدوا ذكراهم في التاريخ. إن صفة العطاء من السمات اللازمة للقادة الأكفاء ،ولعل الكثير منا يُضيق معنى العطاء في الجانب الإداري فيجعله محصورا في الجانب المادي المتمثل فقط في المكافآت والترقيات، وهو في حقيقته أشمل من ذلك بكثير، فمثلا تشجيعك لأحد زملائك في العمل لكي يتميز في وظيفته يعتبر من العطاء وكذلك مساهمتك الفاعلة في خلق بيئة عمل إيجابية في مؤسستك يعتبر كذلك من العطاء وهكذا لو أطلقت لخيالك العنان لوجدت أنك تستطيع كل يوم أن تفتح آفاقا جديدة من العطاء.
إن المؤسسات التي تخلو من أجواء العطاء مؤسسات سقيمة مصيرها الاضمحلال، لأنها كرست كل جهودها للأخذ دون التفاني في العطاء، فمثلا تجد في واقعنا بعض المؤسسات التي ترسو عليها مناقصات ضخمة لتنفيذ مشاريع حيوية في البلاد، ولكنها للأسف الشديد تتقاعس في تنفيذ تلك المشاريع على الوجه الصحيح والجودة المطلوبة، وذلك بحجة تعظيم هامش الربح، فيتكرس لدينا نموذج «خذ ما اتخذ» وهكذا ينحسر سلوك العطاء شيئا فشيئا وحينها قد يتهاوى بنيان المجتمع ويصبح السلوك السائد فيه هو سلوك الجشع والانانية. ولو تأملنا في تاريخنا لوجدنا ان اهل الكويت الأوائل اعطوا وطنهم وجدوا واجتهدوا حتى اصبحت بلادهم رائدة في المنطقة، لانهم تيقنوا أن العطاء هو لبنة أساسية في بناء المجتمعات، فهل لنا من وقفة صادقة لإحياء ذلك المفهوم من جديد في قطاعات الدولة العامة والخاصة حتى نستطيع أن ننهض من جديد. فالعطاء للكويت سلوك نمارسه في حياتنا العملية واليومية وليس كلمات نتغنى بها فقط في المناسبات والاحتفالات.
أخيرا من نماذج العطاء الحديثة ما ابتكره بيل غيتس ووارن بافيت واسمياه وثيقة «الالتزام بالعطاء»،وهي تخضع لإشراف مؤسسة متخصصة. حيث قام 92 فردا من أغنى الأفراد في العالم، بالتعهد بمنح نصف ثرواتهم على الأقل سواء في حياتهم أو بعد الممات. وكان من أبرز هؤلاء الأفراد مارك زاكربيرغ، الشريك المؤسس لفيسبوك الذي يملك ثروة تقدر بـ 12.5 مليار دولار، حيث وقع قبل عامين على وثيقة «الالتزام بالعطاء» وقد باشر في هذا العام في تحقيق جزء مما التزم به، حيث تبرع بمبلغ 498 مليون دولار لمؤسسة متخصصة لتطوير القطاع التعليمي.

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

الثلاثاء، 8 يناير 2013

الشركات غير الربحية من ميزات قانون الشركات الجديد

قبل عدة أيام طالعتنا جريدة القبس الموقرة بنشرة حول أهم مزايا قانون الشركات الجديد، ومما لفت انتباهي بشدة من تلك المزايا هو السماح بتأسيس شركات غير ربحية، لتقوم بدور اجتماعي إلى جانب الشركات التجارية بما يعزز الوظيفة الاجتماعية لرأس المال على نحو ما جاء بنص المادة 16 من الدستور. إن المؤسسات والشركات غير الربحية أو ما يسمى بالقطاع الثالث، وهي تشكل أساس وقلب المجتمع المدني المتحضّر، فوجودها وانتشارها وتنوع أعمالها وفاعلية أدائها في أي بلد، يعكس مدى التقدم والرقي لهذا المجتمع. وللأسف في العديد من مجتمعاتنا في العالم الثالث يقصرون عمل القطاع (غير الربحي) على الأنشطة الخيرية والإغاثية ويتجاهلون تحقيق التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية لمجتمعاتنا من خلال ذلك القطاع.
إن حقيقة الشركات (غير الربحية) تتمثل في جمعها بين خصائص الشركات الربحية من حيث الأهداف، وكذلك بين المؤسسات الحكومية العامة من حيث التنمية والتطور الاجتماعي. ويتركز نشاط مثل تلك المؤسسات والشركات على قطاعات المجتمع المتعددة، فمثلا تقوم تلك المؤسسات ببناء وتطوير المدارس والجامعات والمستشفيات، والمتاحف والمكتبات العامة، وتجهيز المتنزهات العامة والنوادي.
إن المادة 3 من قانون الشركات الجديد، الذي يتضمن قانون الشركات غير الربحية يعتبر نقلة نوعية في إتاحة الفرصة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في إنشاء كيانات غير ربحية تساهم في تقديم قيمة مضافة لبلدنا الكويت، إن قانون الشركات غير الربحية يعزز قيمة العطاء للمواطنين، ويمكنهم من تقديم مشاريعهم من خلال كيانات واضحة يتم الإشراف والرقابة عليها من قبل المساهمين والجهات الإشرافية في الدولة، وكم أتمنى أن أرى التنافس بين أصحاب رؤوس الأموال في الكويت في إنشاء شركات غير ربحية تتبنى المشاريع الصحية والتعليمية وغيرها، بحيث تدار بطريقة مهنية كالقطاع الخاص وتكون فائدتها للمجتمع ويكون الربح المحقق من هذا الكيان للإنفاق على تطوير مشاريع مشابهة في الكويت، وياحبذا أن تساهم الدولة في جزء من رأسمال تلك الكيانات، وأن تعطيها بعض التسهيلات لتحقق مشاريعها بنجاح في أرض الواقع. إن دعم الشركات غير الربحية القائمة على مشاريع حيوية يحقق تقدما مذهلا للدولة في عدة مجالات.
إن نماذج نجاح الشركات غير الربحية كثيرة، فمن تلك الأمثلة مستشفى مايوكلينك، وهو منظمة غير ربحية، وهو من أرقى المستشفيات في الولايات المتحدة الأميركية. إن الأثر الإيجابي للشركات غير الربحية لا يقتصر فقط على التنمية المجتمعية، بل يتعداه الى الدخل القومي للبلد، فمثلاً تشكل المؤسسات الاقتصادية غير الربحية %4 من الدخل القومي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يتواجد فيها ما يقارب تسع مائة ألف مؤسسة. أما في بريطانيا فيوجد فيها ما يقارب مائة وعشرين ألف مؤسسة غير ربحية.
أخيرا يقول د. بيتر دركر، المتخصص في علوم الإدارة «إن النجاح الذي حققته أميركا خلال الأعوام الأربعين الماضية يعود في الأساس إلى المؤسسات الاقتصادية غير الربحية».
عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

سمفونية تكامل الأدوار

لكل واحد منا أدوار في الحياة يؤديها، فهي بين ازدياد ونقصان حسب الظروف والمرحلة التي يعيشها الإنسان، والقيام بالأدوار المنوطة بنا في الحياة من غير مبالغة فيها ولا تقصير يحقق لنا حياة متوازنة، ومن لا يعرف كيف يدير أدواره في الحياة، فهو بلا شك يعرض نفسه ومن تحت مسؤوليته إلى فوضى وضياع. ولعل البعض منا غير مدرك أن أدوارنا في الحياة تكمل بعضها البعض بصورة مباشرة وغير مباشرة، فمثلاً عندما يقوم الفرد بدوره الواجب تجاه أسرته، ليجعلها سعيدة ومستقرة، فهو بلا شك يهيئ لنفسه نوعاً من التوازن الذي يدعمه لتحقيق باقي أدواره في الحياة بكفاءة.
إن تكامل الأدوار مفهوم حضاري يشمل الفرد والمؤسسة والمجتمع. فعلى صعيد المؤسسة، نجد أن استشعار أهمية تكامل الأدوار يجعل كل جزء إداري أو فني في المؤسسة يستشعر أهميته في تحقيق الهدف المنشود من خلال قيامه بواجبه بصوره تكاملية مع باقي أجزاء المؤسسة. وقد أوضح بعض المختصين في علم الإدارة أن من أهم أسباب انحدار أداء المؤسسات هو اقتناع أحد أجزاء المؤسسة بإمكاناتها على تحقيق أهداف المؤسسة، مستغنية عن باقي الأجزاء العاملة في المؤسسة. ولقد رأيت العديد من الممارسات التي سلكت هذا الأسلوب في الإدارة بمباركة قيادة المؤسسة. وقد كانت النتيجة مفرحة على المدى القصير، ومبكية على المدى الطويل، وذلك من خلال التآكل التدريجي في كيان المؤسسة، بحيث أصبح كل جزء يعمل وحده، ولا يهمه تكامل دوره مع باقي الأجزاء حتى ضعفت المؤسسة، وأصبحت كياناً مثقلاً بالأمراض الإدارية التي تحتاج إلى وقت طويل لعلاجها.
أما على صعيد المجتمع، فإن المجتمعات الناجحة هي التي تتسم مؤسساتها بالتكامل في الأدوار والانسجام مع بعضها البعض، بحيث تعزف كل مؤسسة مقطعاً موسيقياً ينسجم ويتكامل مع مقطع موسيقي آخر للمؤسسات الأخرى، بحيث يشكل سميفونية رائعة يستمتع ويستفيد منها كافة أفراد المجتمع. ولا شك في أن القيام بهذا الدور يحتاج إلى قيادة واعية لديها رؤية ثاقبة في بناء المجتمعات الرائدة والمستقرة.
أخيراً، أخبرني صديقي العزيز أحمد عبدالله العومي عن حادثة حصلت له في بريطانيا في مدينة مانسشتر، حيث أصيبت ابنته الصغيرة بالتهاب استدعى إعطاءها مضاداً حيوياً لمدة أسبوعين، وما إن انتهت مدة العلاج إلا وصحبها مرة أخرى إلى المركز الصحي، وحينها فحصها الطبيب ووصف لها مضاداً حيوياً آخر لمدة أسبوعين آخرين، وهكذا انقضت المدة ولم تتحسن حالة البنت، فقام مرة ثالثة بالذهاب إلى الطبيب، حيث وصف لها مضاداً حيوياً من نوع آخر لمدة مماثلة، والحمدلله قد تماثلت حينها للشفاء، ولكن ما أثار إعجاب صديقي أحمد هو أن المستشفى الرئيسي في المنطقة والذي لم يزره من قبل قد قام بالتواصل معه ليتأكد من سلامة ابنته، حيث إنهم تسلموا تقريراً مفصَّلاً من المركز الصحي التابع لهم عن حالة ابنته الصحية، وهم بدورهم أرادوا أن يطمئنوا على صحة البنت، ففي حال عدم تعافيها، فعليه أن يأتي بها إلى المستشفى الرئيسي لعمل فحوصات شاملة لها. إن القصة التي ذكرتها على سبيل المثال هي أحد النماذج الحقيقية لفوائد تكامل الأدوار على مستوى المؤسسات الصحية، وعليك أن تتصور أهمية تكامل الأدوار في مؤسسات الدولة وأثرها في نهضة المجتمعات.

عمر سالم المطوع
متخصص في الإدارة

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...