الأربعاء، 5 يناير 2022

أفة الشخصنة فى العمل المؤسسي

 إن "الشخصنة” أفة مدمرة تبتلى بها المؤسسات حتى يكون نتاجها بأن تتوقف المؤسسة عن التقدم والتطور والازدهار ويكون جل اهتمامها المحافظة على ماتبقى من كيانها المترهل .

 

وكلمة " شخصنة" لها مدلولات كثيرة ، فمنها عندما يقال إن  القيادي فلان قد شخصن المؤسسة أي إنه اختزل المؤسسة  فى شخصيته القيادية فتراه هو الذي يسيطر على مشاهد المؤسسة وقرارتها فى كل مستوياتها الادارية دون أي مراعاة لقواعد العمل المؤسسي والإداري.

 

إن ظاهرة  "الشخصنة" تكون واضحة وجلية عندما يصل إعجاب وغرور القائد أو المسئول إلى حد الطغيان الذي يسبب له العمى، فتراه يريد أن يكون سيد الموقف فى كل زاوية من زوايا المؤسسة وأن ينسب له الفضل دائما فى نجاح الذى وصلت له ، فتراه يزدرى زملاء العمل ويقلل من قدراتهم ويقصيهم عن المواطن التى تعلو فيها رايتهم.

 

إن أفة "الشخصنة" تجعل المؤسسات متمحوره حول ذلك المسئول أو القائد، فلايوجد أي اعتبار لمفهوم المؤسسية فتكون السيادة للفردية المزعجة على العمل الجماعي المنسجم ويصبح سقف المؤسسة محصوراً بفكر قائدها أو اللوبي القيادي فيها ذات الامكانات المحدودة والافاق الضيقة.

 

إن أفة "الشخصنة "سبب رئيس فى اهدار  الجهود والطاقات في ما لا فائدة منه وفى ظهور الخلافات والنزاعات على أتفه الأسباب، وحينها يفقد العاملين فى المؤسسة والمستفيدين من خدماتها الثقة في  المؤسسة ومشاريعها وتكون النتيجة كيانات بلا مشروع ، وعاملين بلا ولاء وعطاء ، فتجدهم يتهامسون وينتقدون الحالة التى وصلت لها مؤسستهم دون أي مبادرة لانقاذها فتجد منهم من يتنحى ومنهم من يكون على وضع الصامت إلى أن يأذن الله بالفرج القريب.

 

ختاماً …

من يريد أن يعرف أساس المنشأ لآفة " الشخصنة " فليقرأ قوله تعالى على لسان إبليس  حين تمرد على أمر الله  عزوجل عندما أمره بالسجود لآدم عليه السلام فقال قولته المشهورة

 

        ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾

 

 

كتبه عمر المطوع

مكياج العمل المؤسسي

 لم يعد العمل المؤسسي اختياراً بل أصبح ضرورة للازدهار والنمو  والاستدامة والمحافظة على الوجود،وإن ممارسة العمل المؤسسي بشكل منتظم ومبني على المبادئ والقيم والمعايير والإجراءات الواضحة يساهم بشكل رئيس في تطور عمل المنظمة من الفردية إلى الجماعية ومن العشوائية في الإدارة والتأثير إلى التخطيط والديناميكية في الإدارة وصناعة الأثر.

 

  إن المهنية في إدارة العمل المؤسسي أحد أدوات الضمان  التي تمتلكها المنظمة لاستمرار عملها في الاتجاه الصحيح  وبالسرعة المطلوبة التي تمكنها من تحقيق رؤيتها وأهدافها،وإن المتأمل فى واقع بعض المنظمات يجدها دائما ما تتغنى بأهمية العمل المؤسسي ، فتراها تعقد ورش العمل وتعد الهياكل والاستراتيجيات لتحقيق مفهوم العمل المؤسسي في أعمالها و لكنها سرعان ما تتخلى  عن ذلك عندما يتطلب الموضوع بعض القرارات الجريئة والواضحة، فتراها تتهافت وتعود الى النمطية التي تضرب كل مفاهيم العمل المؤسسي عرض الحائط ،وحينها يصبح مفهوم العمل المؤسسي بالنسبة لها كأحد أنواع مساحيق التجميل والمكياج التي يتم استخدامها لتزيين صورة المنظمة في بعض المناسبات.

 

   إن مكياج العمل المؤسسي هي ظاهرة  تعاني منها بعض المنظمات عند ممارستها للعمل المؤسسي بصورة شكلية ، فتراها تتصنع و تنادي بالمؤسسية وتُنظْر لها، وتقتلها في مهدها عندما تجد أن المؤسسية ستنزع زمام السيطرة من يد قياداتها.

 

ولعل من أهم الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة : 

1- الإدارة بالنموذج الفردي أو جماعة الضغط أو مايسمى اللوبيات ، فالإدارة من خلال تلك النماذج يساعد أصحاب القرار في استمرار سيطرتهم على مشاهد المنظمة وعادة ما يكون نتاج تلك النماذج غياب المنهجية في اتخاذ القرار والإدارة من خلال الصناديق المغلقة، وعلينا ألا نستغرب من تصنع بعض القيادات وتنظيرها للأعمال المؤسسية  للمنظمة وذلك من أجل الإثبات للآخرين بأن لديهم عقولا جماعية، وأفكاراً بعيدة عن الفردية والتسلط والسيطرة .

2- السطحية في تحليل أداء المنظمة وغياب القدرة على استشراف مستقبلها، فتجد جل اهتمام قيادات المنظمة التفكير الحالي والوقتي الذى يفتقد العمق الاستراتيجي، فيكون شغلهم الشاغل حل المشاكل الطارئة وإطفاء الحرائق التي تواجه المنظمة.

3- الاكتفاء بإيجاد مقدمات العمل المؤسسي من رؤية وأهداف واستراتيجيات، وعدم القدرة على تنفيذ الأعمال والسياسات والإجراءات التنفيذية  التي تحقق مفهوم العمل المؤسسي المنشود  .

4- عدم الاهتمام بالموارد البشرية في المنظمة من حيث الاختيار وتأهيل الكفاءات ، فكم من منظمة قد انهارت لعدم اهتمامها بهذا الجانب؟! وإذ بها تصدم بعدم وجود قيادات بديلة لتولى المهام والمسئوليات.

 

ختاماً.....

قال الله تعالى :(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) سورة الأحزاب -  72 .

 

  إن مفهوم الأمانة له عدة معان، ويبدو لى أن من الأمانة التي يجب أن يؤديها العاملون في المنظمة بكافة مستوياتهم تحقيق مفهوم البناء والعمل المؤسسي في المنظمة التي يعملون بها ،وذلك حسب المهام ونطاق العمل الذى يشرفون عليه ، فكم هو مؤلم أن يكون البناء والعمل المؤسسي أملًا منشوداً وحلمًا مفقودًا بالنسبة لبعض المنظمات على الرغم من  توفر كافة الإمكانات والقدرات .

                                                    كتبه

                                          د.عمر سالم المطوع

استعدادات الدخول والخروج

 

يقول الإمام حسن البنا - رحمه الله :"كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع".

 

  إن المعني الذى أورده الإمام البنا-رحمه الله-فيما يبدو لي والله أعلم ليس على إطلاقه فلعلنا فى بعض الأحيان نحتاج تقنينه لإيجاد حلول من خارج الصندوق للمعضلات والتحديات التى قد نواجهها كأفراد ومؤسسات، ولنا فى الإمام أبى حنيفة- رحمه الله- قدوة فى ذلك فقد تميز رحمه الله بنمـــــــوذج ( أرأيت …)وسُمي بعضُ أتباعه ب "الأرأيتيين" ويسمى هذا النموذج عند الفقهاء المعاصرين "بالفقه الافتراضي" والمقصود به اجتهاد الفقيه في ايجاد حكم شرعي  لحوادث ونوازل لم تقع بعد ،ومن أمثلة ذلك : 

عندما نزل قتادة بن دعامة -رضي الله عنه- الكوفة ، قام إليه أبو حنيفة فسأله : يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعوامًا ، فظنت امرأته أن زوجها مات ، فتزوجت ، ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها ؟ فقال قتادة : ويحك أوقعت هذه المسألة ؟ قال : لا . قال : فلِمَ تسألني عما لم يقع ؟ قال أبو حنيفة : (( إنا لنستعد للبلاء قبل نزوله ، فإذا ما وقع ، عرفنا الدخول فيه والخروج منه ))١

ولقد سمعت من بعض أعضاء اللجان الشرعية فى البنوك والشركات الإسلامية فضل المدرسة الحنفية فى بعض أرائها التى بنيت وفق المنهج الافتراضي على بعض الفتاوي المعاصرة فى المسائل الاقتصادية. 

لذا فإن مقولة الإمام البنا -رحمه الله- قد يستخدمها البعض عن قصد وعن غير قصد فى إلجام محاولة الإبداع والتفكير والتحليل الناقد الذى قد ينتج عنه حلول تُخرجنا مما نحن فيه من إخفاقات. 

 

   إن مفهوم التفكير الناقد  قد يلتبس  فهم معناه عند البعض  فيظن أنه الانتقاد والسلبية والتشاؤم ، بل إن التفكير الناقد "عملية ذهنية منضبطة تتمثل في استيعاب وتحليل وتقييم المعلومات المأخوذة عن طريق الملاحظة أو التجربة، أو نتيجة التواصل والاتصال كدليل على الاعتقاد والعمل، ويُعدُّ النموذج المثالي للتفكير الناقد هو التفكير الذي يُبنى على قيم فكرية عالمية كالوضوح، والدقة، والاتساق، والملائمة، والعمق، والأدلة الصحيحة، والاتساع، والإنصاف "٢

 

ختاماً

إن التباين فى تصورات الناس عن الآراء أو الافتراضات الجديدة أمر طبيعي والأمثلة فى هذا التباين متعددة ومتنوعة والموفق منا من كان متوسطا ومنصفاً من غير تطرف فكلا الطرفين مذموم، لذاعلينا أن ندرك حاجتنا للافاق والافكار الجديدة التى يستحيل  نقاشها مع العقليات المنغلقه والضيقة ومن الناحية أخرى نحن بحاجة لأسس وقواعد وثوابت  نرجع عليها فى بناء تصوراتنا وأفكارنا إذا أردنا حلول ناضجة ونافعة.

نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. 

                                         


                                                           كتبه/ د.عمر المطوع

                                                             ٢٠-١٢-٢٠٢١

هوامش

١-تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( 13/348)

٢-  حسب ما أورده المجلس الوطنى للتفكير الناقد

"Defining Critical Thinking", criticalthinking.org

حديث الإخاء

 الأخوة فى الله  … إخوة صادقةمملوءة بالحب النقي المبادر فيها يقول " إني أحبك فى الله" فيلتقطها أخوه بسرور وبشر  فيرد عليه " أحبك الله الذى أحببتني من أجله"، ما أجملها من إخوة وما أوثقها من رابطة قلبية. 

قال الله تعالى: " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " 

 

 إن معنى الأخوة فى الله الذى طالما جعلنا نترنم بجميل شذاه لا يسلم من الكدمات التى تكدر صفاءه ونقاءه فإن لم ننتبه لتلك الكدمات ونتداركها سيعقبها صدمات وهزات تجعل بنيان الإخاء يتصدع ، وحينها ستجد  الخصومات متفشية والعلاقات الأخوية  مهلهلة وتجد الشيطان متربص يذكى شرارتها بكل ما أوتي من قوة، ففى مواطن الخلاف تتكالب الشرور والظنون من كل حدب وصوب فالشيطان من جهة وهوى النفس ونزعاتها من جهة أخري ويزيدها عمقا الجفاء فى العلاقات والأحاديث المتناقلة بين الأطراف من غيبة ونميمة وبهتان وحينها يبدأ كل طرف بشحذ ذاكرته فى حصر كل السلبيات التى  وقعت من أخيه ويتجاهل كل الذكريات الطيبة التى يرق لها القلب ويفرح لها الفؤاد، فتراه يفتش عما يُعينه ويقويه فى الانتصار على أخيه فى الله، فما إن ينتهي من معركة إلا وينزغ فيه الشيطان ليبدء معركة أخرى، وفى لحظة الصفاء يلتفت حوله فلايجد فى نفسه إلا مايضيق صدره ويكدر خاطره، فعلى الرغم من انتصار المواقف الذى حققه تجاه إخوانه إلا أنه قد أحدث تصدعاً فى النفوس يصعب علاجها، وفرقة فى العلاقات يصعب جمعها وإحياء المودة فيما بينهما .

 

ختاماً

علينا أن نعترف بأنه لا دواء لبلية الضغينة والجفاء والقطيعة التى تنخر فى بنيان إخوتنا إلا بتزكية نفوسنا من خلال  التربية الإيمانية الدائمة والعميقة  والتى من ثمارها الألفة والمحبة وسلامة الصدر وراحة البال والطمأنينة والهدوء فى الضمير. 

 

يقول ابن حزم الأندلسيرحمه الله - :

"ومن الأسباب المتمناة في الحب : أن يهب الله عز وجلَّ للإنسان صديقاً مخلصاً ، لطيف القول ، بسيط الطَّوْل ، حسَن المأخذ ، دقيق المنفذ ، متمكن البيان ، مرهف اللسان ، جليل الحِلم ، واسع العلم ، قليل المخالفة ، عظيم المساعفة ، شديد الاحتمال ، صابراً على الإدلال ، جم الموافقة ، جميل المخالفة ، محمود الخلائق ، مكفوف البوائق ، محتوم المساعدة ، كارهاً للمباعدة ، نبيل الشمائل ، مصروف الغوائل ، غامض المعاني ، عارفاً بالأماني ، طيب الأخلاق ، سري الأعراق ، مكتوم السر ، كثير البر ، صحيح الأمانة ، مأمون الخيانة ، كريم النفس ، صحيح الحدس ، مضمون العون ، كامل الصون ، مشهور الوفاء ، ظاهر الغناء ، ثابت القريحة ، مبذول النصيحة ، مستيقن الوداد ، سهل الانقياد، حسن الاعتقاد ، صادق اللهجة ، خفيف المهجة ، عفيف الطباع ، رحب الذراع ، واسع الصدر ، متخلقاً بالصبر ، يألف الإمحاض[أي : إخلاص الود] ، ولا يعرف الإعراض ، يستريح إليه ببلابله ، ويشاركه في خلوة فكره ، ويفاوضه في مكتوماته ، وإن فيه للمحب لأعظمَ الراحات .

وأين هذا ؟!

فإن ظَفِرَتْ به يداك : فشدهما عليه شد الضنين ، وأمسك بهما إمساك البخيل ، وصنه بطارفك وتالدك ، فمعه يكمل الأنس ، وتنجلي الأحزان ، ويقصر الزمان ، وتطيب النفس ، ولن يفقد الإنسان من صاحب هذه الصفة عوناً جميلا ، ورأياً حسناً ".

" طوق الحمامة "  ص 164.

 

 

كتبه/ عمر المطوع

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...