الأحد، 12 أغسطس 2012

خداع فى عالم المال


ان المعايشة اليومية لعالم الاستثمار والمال تجعل الكثير من العاملين في هذا القطاع، خصوصا القيادات العليا منهم، يستمرئون بعض الممارسات التي فيها نوع من الخداع والغش والتدليس، ويجمل لهم الشيطان تلك الممارسات الخاطئة تحت عناوين جميلة وبراقة مثل الشطارة والاحترافية الاستثمارية، وعندما تقرب المجهر الى واقع تلك الممارسات تجدها تشمل عدة مخالفات، مما جعل المساهمين والمستثمرين يفقدون الثقة بتلك المؤسسات المالية التقليدية منها، ومن يعمل وفق احكام الشريعة الاسلامية، وياليتهم التزموا باخلاق ومبادئ الشريعة الاسلامية السمحة.
ولتفادي تلك الممارسات التي سببت اضرارا جسيمة على المستويين الفردي والمجتمعي، فقد سارعت الدول المتقدمة لايجاد وسائل وقائية للحد من تلك الممارسات من خلال عدة جوانب منها تفعيل تطبيق مفهوم حوكمة الشركات التي من اهم مبادئها تأمين الاسس لاطار الحفاظ على حقوق المساهمين وتفعيل مبدأ العدالة بينهم، وابراز دور اصحاب المصالح من «عملاء وموردين، .. الخ» والحرص على الافصاح والشفافية، واخيرا وليس اخرا التأكيد على مسؤولية مجلس الادارة ودوره في حماية الشركة والمساهمين واصحاب المصالح، وكذلك تطبيق مفهوم «code of ethics» او اخلاق المهنة او قواعد السلوك المهني وهي مجموعة من الاخلاق والمعايير والقيم التي تحكم سلوك العاملين في المؤسسة، وكذلك النظر والمراجعة في القوانين واللوائح التي تنظم عمل هذا القطاع وكذلك في دور ومسؤوليات الجهات الاشرافية.
الخداع في اللغة مأخوذ من مادة (خ دع) وهي تدل على اخفاء الشيء ويقال خدع الريق في الفم وذلك انه يخفي في الحلق ويغيب. وعالم المال والاستثمار مليئ بممارسات خاطئة وخادعة على المستوى المحلي والعالمي. وعادة عندما تبدأ تلك الممارسات على شكل فردي ومن ثم ان لم يردع صاحبها بعقاب صارم فانها تبدأ بالتفشي حتى تصبح ظاهرة تنهش وتحطم اي قطاع.
لذا دعوني اسرد لكم مثالين من واقعنا المحلي وفي السوق امثلة كثيرة، وسردي لتلك الامثلة لا يعني ان النماذج المشرقة قد غابت عن هذا القطاع بل هي موجودة، واتمنى ان تكون هي النماذج السائدة التي يتربى عليها الاجيال ولكن هي امثلة احث فيها العاملين الصادقين في الثبات على المبادئ، ولتنبيه الغافلين الذين اعماهم جمع المال الى خطورة تلك الممارسات، واسوق في هذا المجال الامثلة التالية:
1 - شركة استثمارية حققت ارباحا تقارب 100 مليون دينار ويستحق فيها العضو المنتدب نسبة بونص او حافز من الارباح تتجاوز مليوني دينار. وفي اعتقادي ان من يحقق ربح مائة مليون يستحق ليس فقط 2 مليون بل يستحق 5 ملايين دينار بل اكثر. ولكن الصدمة تكون عندما نكتشف ان المائة مليون كلها ارباح غير محققة (ارباح دفترية) اي ليست ناتجة عن عمليات بيع فعلية، سؤالي هو كيف يقر مجلس الادارة هذا الحافز وهو يعلم ان الارباح غير محققة وكيف اقر فوق ذلك توزيعات نقدية بنسبة %50 وأسهم منحة بنسبة %30. لقد خدعوا المساهمين عندما أخفوا عليهم ان الشركة ولكي تسدد التوزيعات النقدية للمساهمين مضطرة للاقتراض من البنوك مبلغا يعادل اجمالي التوزيعات النقدية المقرر توزيعها لمدة سداد، قد تصل إلى 5 سنوات لفترات سداد قصيرة الأجل مقابل استثمار في أصول طويلة الاجل وغير قابلة للسيولة. كما ان خداع المساهمين قد يأخذ صورة أخرى تتمثل في توزيعات أسهم المنحة، عندما لا يتم تحديد الخطة التوسعية التي تتطلب أن تكون هناك زيادة في رأس المال. والغرض من كل تلك الممارسات القائمة على الخديعة والتدليس هو ضمان الإدارة التنفيذية نسبتها من البونص أو الحافز، ولتطبيق سياسة «خذ ما تخذ» من غير اهتمام ومراعاة لمصلحة المساهمين والهيكلة المالية المثلى لميزانية الشركة.
2ــ شركة تمويل وإجارة تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، قامت بتمويل تاجر لشراء معدات بمبلغ 5 ملايين دينار عن طريق المرابحة لمدة خمس سنوات. بعد السنة الأولى بدأ التاجر يتخلف عن السداد ونظرا لأن مبلغ التمويل كبير مقارنة برأسمال الشركة، أي ما يعادل ثلث رأسمال الشركة، أوصى المدقق الخارجي الإدارة التنفيذية بأخذ مخصص بمبلغ مليوني دينار لتخلف العميل عن السداد. حينها فوجئت الإدارة التنفيذية وعلمت أن ذلك المخصص سيظهر القوائم المالية للشركة بمظهر الخسارة، حينها فكرت الإدارة ودبرت وخططت في كيفية التخلص من هذا المخصص بصورة شرعية، تستطيع من خلالها اظهار ربح الشركة فقامت واستدعت العميل وقالت هل تستطيع الدفع؟ قال العميل: لا. قالت سنجعلك تدفع المبلغ المستحق عليك وهو ما يعادل 4.5 ملايين دينار عن طريق صفقة تورق لك، حيث انك ستشتري حديدا من طرفنا بمبلغ 4.6 ملايين وتبيعه لطرف ثالث عن طريقنا بمبلغ 4.6 ملايين دينار، وهذا المبلغ الاخير لن تتسلمه بل سنقوم بتسلمه نيابة عنك، ثم نقوم بتسديد كل المبالغ المستحقة عليك من الصفقة الأولى وتبدأ معنا في صفقة التورق هذه كعميل جديد. وبذلك نجحت الإدارة التنفيذية في التخلص من المخصص الذي سيفرضه المدقق الخارجي وظهرت الشركة في صورة مغايرة للحقيقة. ان الإدارة التنفيذية على يقين أن هذا العميل في صفقة التورق لا يمكنه السداد لأنه لم يتمكن من سداد صفقة المرابحة من قبل ولكن الشيطان سول لهم هذه الوسيلة من الخداع للاستفادة الشخصية.
بالله عليكم، وبعد تلك الأمثلة التي نعيشها يوميا في واقع قطاعنا المالي كيف لنا أن نخصص القطاعات العامة ونسلمها لشركات غير مؤهلة لكي تعبث وتفسد فيها. نعم قانون التخصيص ممتاز لكن مستوى بعض الشركات الموجود عندنا غير كفء للقيام بالمهمة، وذلك بناء على كثير من الممارسات والأمثلة. وهذا لا يعني عدم وجود نماذج وممارسات مشرقة في القطاع الخاص، لكن في الأونة الأخيرة ظهرت النماذج السيئة بكثرة ولعل هذه أحد فوائد الأزمة المالية الأخيرة التي ما زلنا نعيش تبعاتها. ومثل ما يقول المثل الكويتي «إذا اثبرت المايه طلع الفريال». لذا فلنخطط أولا كيف نجعل القطاع الخاص قطاعا منتجا وواعدا يتميز بالكفاءات الوطنية الجادة والنزيهة، مستفيدين من التجارب الرائدة في العالم ومن ثم ننطلق في التخصيص ونحن مطمئنون إلى نتائجه الباهرة.
إن مظاهر الخديعة والغش لا حصر لها فهي تتطور بتطور الإنسان، لكن يمكننا الحد منها بتفعيل القوانين الرادعة وإيجاد النماذج الصحيحة، وتعليم الجيل القادم الأخلاق والمعايير المهنية من خلال المناهج التعليمية ومؤسسات التنمية البشرية.
ختاما أعجبني ما قاله قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: «لولا أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (المكر والخديعة في النار) لكنت من أمكر الناس». صححه الألباني.


عمر سالم المطوع
* باحث في إدارة الأعمال وتنمية الموارد البشرية.


الأحد، 5 أغسطس 2012

فن التقدير

إن مهارات وفنون التقدير لا يتقنها إلا القادة الأكفاء الذين يدركون القيمة الحقيقية للتقدير، ويعرفون آثاره الباهرة على العمل والعاملين.
إن فهمنا لقيمة التقدير وممارسته في حياتنا اليومية، يُضفي لذواتنا ولمن له علاقة بنا أجواء مملوءة بالأمل والتفاؤل، فالتقدير عصب رئيسي للحياة المشرقة بالانجاز، ولقد أثبت عدد من الدراسات في مجال السلوك الإداري الأثر الكبير للتقدير في مضاعفة أداء العاملين في المؤسسة بل أكثر من ذلك. فالتقدير يُفجر إبداعات العاملين ويجعلهم أكثر ولاء للمؤسسة.
تمكننا من ممارسة فنون ومهارات التقدير، يُرشدنا إلى الحكمة في استخدام نوع التقدير المناسب مع المواقف والأشخاص التي تواجهنا في حياتنا، لذا نجد أن أنواع التقدير متعددة، وتأخذ أشكالا متنوعة، فهي على سبيل المثال قد تكون كلمة شكر أو مكافأة مادية أو قد تأخذ شكلا آخر من خلال تطوير وتدريب الموظف المستحق للتقدير بأعلى المعايير المهنية، وكذلك قد تكون ترتيب لمفاجأة سارة، كاعتراف الإدارة التنفيذية بجهود أحد العاملين في نماء المؤسسة، لذلك فإن أساليب التقدير تتنوع وتتسع باتساع آفاق وإبداعات الشخص الذي سيقوم بالتقدير.
ولكي يؤتي التقدير ثماره في شخصية المتلقي (المُقَدر)، فلابد من الاهتمام بالأسلوب والطريقة التي سنوصل فيها رسالة التقدير، ولقد رأينا أثر كلمة الشكر المملوءة بالمشاعر الصادقة أكبر بكثير جدا من أثر المكافأة المادية التي يظهر فيها المسؤول امتنانه على الموظف بسبب هذه المكافأة.
يجد المتأمل في ممارسات معاني التقدير عددا من النماذج الرائعة التي أصبحت مثالا يحتذى به في عدد من المؤسسات، وكذلك في الجهة المقابلة نجد عددا من الممارسات السلبية في تحقيق معاني التقدير، فمثلا تجد المسؤول لا يبادر بتقدير جهود العاملين، لتوهمه بأن سطوع نجم هؤلاء العاملين سيهدد منصبه الوظيفي. ونرى مسؤولا آخر يقدر جهود العاملين شفويا بكلمات إطراء، ويحاربها فعليا بقرارات محبطة، ولاشك في أن مثل تلك الممارسات تنم عن «أمراض نفسية وعقدة نقص» عند كثير من المسؤولين وأصحاب القرار.
وتتجلى خطورة عدم إدراك قيمة التقدير وعدم ممارسته في حياتنا وتعاملاتنا في عدة جوانب، منها اضمحلال وتردي علاقاتنا، وانتشار الأجواء الطاردة للعاملين الأكفاء، وحينها يبدأ سلوك العاملين في المنحنى السلبي الذي يجعله يفقد ولاءه في المؤسسة، وهذا ما نراه اليوم في عدد من مؤسساتنا.
وتشمل إتقان مهارات وفنون التقدير جميع تعاملاتنا في جميع نواحي الحياة، سواء كانت عائلية أو وظيفية أو غيرها، فالتقدير لبنة رئيسية في بناء بيئات إيجابية ترتقي في أدائنا، وفي المجتمعات التي نعيش فيها.
وختاما أنصحكم في البحث في موقع YouTube عن مقطع بعنوان «التقدير عصب الحياة»، فهو يُغني عن كثير من الكلمات التي قد تكتب حول معنى التقدير.





عمر سالم المطوع
كاتب متخصص فى الإدارة والموارد البشرية
Twitter:@OmarSAlmutawa

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...