السبت، 21 أغسطس 2021

الشُهرة المُضللة



سئل كيسنجر عن فوائد الشهرة فقال: "أحسن فوائد الشهرة أنك عندما تكون مخطئا فإن الناس يتهمون عقولهم".

صدق كيسنجر، فكم من حقائق مفيدة  لنا قد تم تجاهلها لأن أصحاب الشهرة لم يعطوها اهتماماً كافيا وكم من أخطاء جُمّلت وزيّنت لنا لأن أصحاب الشهرة قد روجوا لها ،وكم من مشروع مضر  لقي رواجاً بسبب مشهور قد سوّق له.

 

إن السعي للشهرة والوصول لها أصبح متاحاً فى ظل وسائل التواصل الاجتماعي ولقد تنبأ بذلك الرسام الأمريكي "آندي وورهول"في أواخر الستينيات من القرن الماضي، تنبّأ الرسام الأميركي "آندي وورهول" وعبّر عن ذلك في إحدي مقابلاته  بمقولته الشهيرة: "في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط"،وكأنه يستشرف ظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وقد تحقق  فى واقعنا ما تنبأ به، وقد أصبحت الشهرة أحد مقاييس النجاح  التى يعتد بها شريحة كبيرة من الناس (وخاصة جيل النشء والشباب) ، فلقد سألني ذات يوم ابنى عبدالله فقال يا أبي لم لا تكون مشهوراً وناجحاً مثل فلان وسمى لى شخصاً، حينها توقفت واستدركت كيف اختلطت المفاهيم عند ابنى، وبدأت أتحدث معه وأحاوره بما يناسب عمره لكي أحرر له الفرق بين الشهرة والنجاح ، فليس كل مشهور ناجح وليس كل ناجح مشهور ، فهناك أناس ناجحون وبإرادتهم ابتعدوا عن الشهرة حتى يهنؤا براحة البال وهناك أناس مشهورون ولكنهم غير ناجحين وحياتهم مليئة بالاضطراب النفسي  والضغوط وإن تظاهروا لمشاهديهم  ومتابعيهم بخلاف ذلك،ثم بينت لابنى أن الشهرة أداة فاعلة  إذا استخدمها أصحابها بوعي وحكمة دون الانغماس فيها، وأصحاب الشهرة نوعان إما أن يكون شخص مشهور مستحق لتلك الشهرة لما لديه من محتوى ذا فائدة ومنفعة أو صاحب شهرة فارغ وخاوٍ وليس له أي منفعة غير طريقته بالعرض والإثارة التى يحدثها، و يبدو لى هناك نوع ثالث لديه تميز وابداع فى مجال تخصصه، ولكنه فضل الشهرة على مجال تخصصه، كالطبيب المتخصص فبدل أن يتفانى فى عيادته فى علاج المرضى والمساهمة فى تطوير المنظومة الصحية فى المؤسسة التى يعمل فيها  أصبح جل اهتمامه ووقته فى الظهور فى وسائل التواصل الاجتماعي، فتجده يوهمك فى حساباته بالسوشيال ميديا بأنه الطبيب الفذ ذو اليد الحانية على مرضاه وهو أبعد مايكون عن ذلك فى مكان عمله ولقد أظهرت لنا أزمة كورونا فى مجالات متنوعة مجموعة لابأس بها من هذا النوع الثالث.

 

إن أصحاب الشهرة بمختلف أنواعهم معرضون للإصابة بالنرجسية، والنرجسية هي نظرة الشخص لنفسه بأنه كائن متفوق وأرفع منزله ومقاماً عمن حوله، وهذه النظرة تجعله  يفرط فى تقدير ذاته ويستخف بآراء ورغبات ووجهات نظر الآخرين، حتى تجد بعضهم يتطرف بصورة مبالغ فيها فتراه يسحق ويجهل كل من يعارضه من متابعيه.

 

 

 

ختاماً

علينا أن ندرك  أن من حق كل متميز أو موهوب أن يبرز نجاحاته وتميزه إن أراد ذلك ، وكذلك علينا أن نعي خطورة أن تكون الشهرة  هدفاً بحد ذاتها بغض النظر عن المحتوى والمعنى المراد إيصاله للآخرين،ولنا فى فهم السلف الصالح رضى الله عنهم مشكاة نور فى ضبط وتقنين تعاملنا مع مفهوم الشهرة، حيث كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم يخشون على أنفسهم الرياء والعجب والكبر ويرون أن الشهرة طريق لذلك.

 

                           كتبه

د.عمر سالم المطوع

٩ أغسطس ٢٠٢١


مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...