الأربعاء، 5 يناير 2022

استعدادات الدخول والخروج

 

يقول الإمام حسن البنا - رحمه الله :"كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع".

 

  إن المعني الذى أورده الإمام البنا-رحمه الله-فيما يبدو لي والله أعلم ليس على إطلاقه فلعلنا فى بعض الأحيان نحتاج تقنينه لإيجاد حلول من خارج الصندوق للمعضلات والتحديات التى قد نواجهها كأفراد ومؤسسات، ولنا فى الإمام أبى حنيفة- رحمه الله- قدوة فى ذلك فقد تميز رحمه الله بنمـــــــوذج ( أرأيت …)وسُمي بعضُ أتباعه ب "الأرأيتيين" ويسمى هذا النموذج عند الفقهاء المعاصرين "بالفقه الافتراضي" والمقصود به اجتهاد الفقيه في ايجاد حكم شرعي  لحوادث ونوازل لم تقع بعد ،ومن أمثلة ذلك : 

عندما نزل قتادة بن دعامة -رضي الله عنه- الكوفة ، قام إليه أبو حنيفة فسأله : يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعوامًا ، فظنت امرأته أن زوجها مات ، فتزوجت ، ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها ؟ فقال قتادة : ويحك أوقعت هذه المسألة ؟ قال : لا . قال : فلِمَ تسألني عما لم يقع ؟ قال أبو حنيفة : (( إنا لنستعد للبلاء قبل نزوله ، فإذا ما وقع ، عرفنا الدخول فيه والخروج منه ))١

ولقد سمعت من بعض أعضاء اللجان الشرعية فى البنوك والشركات الإسلامية فضل المدرسة الحنفية فى بعض أرائها التى بنيت وفق المنهج الافتراضي على بعض الفتاوي المعاصرة فى المسائل الاقتصادية. 

لذا فإن مقولة الإمام البنا -رحمه الله- قد يستخدمها البعض عن قصد وعن غير قصد فى إلجام محاولة الإبداع والتفكير والتحليل الناقد الذى قد ينتج عنه حلول تُخرجنا مما نحن فيه من إخفاقات. 

 

   إن مفهوم التفكير الناقد  قد يلتبس  فهم معناه عند البعض  فيظن أنه الانتقاد والسلبية والتشاؤم ، بل إن التفكير الناقد "عملية ذهنية منضبطة تتمثل في استيعاب وتحليل وتقييم المعلومات المأخوذة عن طريق الملاحظة أو التجربة، أو نتيجة التواصل والاتصال كدليل على الاعتقاد والعمل، ويُعدُّ النموذج المثالي للتفكير الناقد هو التفكير الذي يُبنى على قيم فكرية عالمية كالوضوح، والدقة، والاتساق، والملائمة، والعمق، والأدلة الصحيحة، والاتساع، والإنصاف "٢

 

ختاماً

إن التباين فى تصورات الناس عن الآراء أو الافتراضات الجديدة أمر طبيعي والأمثلة فى هذا التباين متعددة ومتنوعة والموفق منا من كان متوسطا ومنصفاً من غير تطرف فكلا الطرفين مذموم، لذاعلينا أن ندرك حاجتنا للافاق والافكار الجديدة التى يستحيل  نقاشها مع العقليات المنغلقه والضيقة ومن الناحية أخرى نحن بحاجة لأسس وقواعد وثوابت  نرجع عليها فى بناء تصوراتنا وأفكارنا إذا أردنا حلول ناضجة ونافعة.

نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. 

                                         


                                                           كتبه/ د.عمر المطوع

                                                             ٢٠-١٢-٢٠٢١

هوامش

١-تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( 13/348)

٢-  حسب ما أورده المجلس الوطنى للتفكير الناقد

"Defining Critical Thinking", criticalthinking.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مأسسة الفوضى

  عندما نتأمل  حال بعض المؤسسات، ونرى الفوضى والتحول الذى يجرى على بعضٍ منها ، قد يتسائل البعض  منا ؛ هل  من الممكن أن تكون تلك الفوضي مقصود...